المستشار مصطفى العطيات يكتب : القوة القاهرة “كورونا” و التحكيم

 

ستكون التجارة الدولية في المرحلة القادمة منشغلة بتداعيات الفيروس الجديد covid-19  و اثاره على العلاقات التعاقدية الدولية، من المؤكد ان كثير  من الهيئات التحكيمية  ستنشغل كذلك بعدد هام من المنازعات التي ستطرا في السنة القادمة نتيجة لعدم قدرة الكثيرين على الايفاء بالتزاماتهم التعاقدية نتيجة الانتشار السريع لفيروس كورونا الجديد خاص بعد اعلانه رسميا وباء عالمي من قبل منظمة الصحة العالمية بتاريخ ١١ مارس ٢٠٢٠ و الاجراءات الغير المسبوقة التي اتخذت في دول كثيرة للحد من سرعة انتشار الفيروس.

سنتتطرق في هذا الموضوع الى مدى اعتبار كورونا الجديد من قبيل القوة القاهرة و النظريات القانونية ذات الصلة و و هل يمكن المطالبة بالاعفاء الجزئي او الكامل من عدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية امام الهيئات القضائية الدولية؟

 

القوة القاهرة في القانون الانجليزي

القوة القاهرة التي في الحقيقة تعتبر  مبدا قانوني من اصول فرنسية غير معترف به في القانون الانجليزي و مع ذلك يمكن اعتماد القوة القاهرة واذا كانت مدرجة كبند في عقد يحكمه القانون الانجليزي اذا تم ادراجها بوضوح كافي وتم التنصيص على ما كل مايعتبر من قبيل القوة القاهرة و في حالة covid-19 يدخل في باب الاوبئة.

و اذا لم يكن هنالك بند خاص بالقوة القاهرة في عقد يحكمه القانون الانجليزي يجوز الاستناد الى مفهوم القانون العام فبموجب القانون الانجليزي يمكن الغاء الالتزام في عقد عند حدوث شي بعد التعاقد على ان يكون حدث خارجي و تغيير خارج عن ارادة الاطراف الذي يجعل كن المستحيل تنفيذ العقد.

 

القوة القاهرة في القانون الفرنسي

يجوز لاطراف عقد يحكمه القانون الفرنسي التاثر بفيروس كورونا و اعتباره من قبيل القوة القاهرة و يعفي احد الاطراف من الايفاء بالتزماته، المادة ١٢١٨ من القانون الفرنسي:

لمادة (1218) : تحدث قوة قاهرة في المسائل التعاقدية عندما يكون حدث خارج عن سيطرة المدين ، وهو ما لا يمكن توقعه بشكل معقول في وقت إبرام العقد ولا يمكن تجنب آثاره باتخاذ التدابير المناسبة ، يمنع أداء التزامه. من قبل المدين. إذا كان العائق مؤقتًا ، يتم تعليق أداء الالتزام ما لم يكن التأخير الناتج عنه لا يبرر إنهاء العقد. إذا كان العائق نهائيًا ، يتم تسوية العقد تلقائيًا ويتم الإفراج عن الأطراف من التزاماتهم بموجب الشروط المنصوص عليها في المادتين 1351 و 1351-1 .

 

و اذا كان المنع مؤقت فيعتبر مجرد تعليق ما لم يكن التاخير الذي ينتج عنه سببا في انهاء العقد و اذا كانت اجراءات الوقاية المتبعة دائمة يتم انهاء العقد بحكم القانون و يتم اعفاء الاطراف من الالتزامات وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة ١٣٥١ من القانون المدني الفرنسي:

المادة (1351) : عندما ينتج استحالة التنفيذ عن خسارة الشيء المستحق ، يتم الإفراج عن المدين الملتزم إذا أثبت أن الخسارة كانت ستحدث بالمثل إذا تم تنفيذ الالتزام. غير أنه ملزم بإحالة الدائن إليه الحقوق والإجراءات المرتبطة بالأمر.

ورعلى الرغم من ان الفيروس covid-19 يشكل بلا شك حدث خارجي اي خارج عن ارادة الاطراف و لا يمكن توقعه سيتعين على الطرف الذي يسعى لاعتماد المادة ١٢١٨ اثباته استنادا للظروف الخاصة لكل حالة اذ ان المادة ١١٩٥ تفتح المجال امام امكانية اعادة التفاوض و خلال فترة التفاوض لابد على الاطراف الاستمرار في تنفيذ الالتزامات و اذا فشل التفاوض و قرر الاطراف انهائه تقع احالة النزاع الى المحكمة.

المادة ١١٩٥ :

إذا كان التغيير غير المتوقع في الظروف أثناء إبرام العقد يجعل التنفيذ مفرط التكلفة بالنسبة للطرف الذي لم يوافق على تحمل المخاطر ، فقد يطلب الأخير إعادة التفاوض على العقد من الطرف الآخر. تستمر في تنفيذ التزاماتها خلال إعادة التفاوض. في حالة رفض أو فشل إعادة التفاوض ، يجوز للأطراف الموافقة على إنهاء العقد ، في التاريخ والظروف التي يحددونها ، أو مطالبة القاضي بالموافقة على تكييفها. في غياب الاتفاق في غضون فترة زمنية معقولة ، يجوز للقاضي ، بناء على طلب أحد الأطراف ، تنقيح العقد أو إنهائه في التاريخ والشروط التي يحددها.

من المؤكد من ان تداعيات الفيروس الجديد واضحة و يسهل اثباتها و سيقع اعتمادها الى حد كبير على وقائع كل قضية حيث انها تجعل بعض العقود مرهقة الى حد كبير و بالتالي يمكن مراجعة هذه العقود او انهائها.

 

القوة القاهرة في القانون الصيني:

استنادا للمادة ١١٧ و ١١٨ من قانون التعاقد بجمهورية الصين الشعبية، تعتبر القوة القاهرة اي ظرف موضوعي لا يمكن التنبا به و لا توقعه يعفي الطرف المتضرر من المسؤولية جزئيا او كليا شريطة ان يتم اعلام الطرف الاخر و تقديم دليلا كافيا و في فترة معقولة.

من الجدير بالذكر ان المجلس الصيني لترويج التجارة الدولية (هيئة شبه حكومية) كان قد اصدر شهادات قوة قاهرة للشركات الصينية للتاكيد بان covie-19 يعتبر من القوة القاهرة علما و ان هذه الشهادات لا تعفي الاطراف الصينية من التزاماتها  تلقائيا و خاصة اذا تعلق الامر بعلاقة اقتصادية دولية حتى في ظل القانون الصيني يبقى اعلام الطرف الاخر و تقديم الدليل الذي يؤكد عدم القدرة على القيام بالالتزام.

 

ان القوة القاهرة يختلف مفهوما من نظام قانوني الى اخر و من عقد الى اخر و بما ان الفيروس الجديد سيؤثر على العلاقات التعاقدية خاصة في ظل الاجراءات التي اتخذت على الصعيد العالمي يبقى الفصل في النزاعات الناشئة عنها يتمتع بخصوصية التدقيق في الاجراءات التي اتبعها الاطراف لتعليق او انهاء التعاقد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار