ريمون ناجى يكتب .. الأنبا مارتيروس «ناسك» في خدمة الوطن والكنيسة

لم أعتد كتابة مقالًا يتحدث عن شخص ولكن تكسر القاعدة أمام الشخصيات الفريدة التي تجتمع فيها الصفات نادرة الوجود هذا الزمان.. ناسك بدرجة أسقفية وديع وهادئ كالأطفال وقويًا وحاسمًا قائد روحيًا مغوار، إداريًا بدرجة امتياز، راهب وبتول لكن لديه الآلاف الأبناء، باحث بارع، وذواق للفن.. إنــــه « الأنبا مارتيروس» الأسقف العام لكنائس شرق السكة الحديد ورئيس لجنة المصنفات الفنية بالمجمع المقدس.

رغم عملى في عدة مؤسسات صحفية مسئولا عن الملف القبطي وتكرار إسمه كثيرًا، لم يحالفني الحظ لقاؤه إلا في عام ٢٠١٤ ميلاديًا، حينما دعاني الصديق العزيز الراحل الدكتور سعد سويرس إلي زيارة للاسقف المحبوب، وهالني إستقبال الأب في (قلايته) مسكنه البسيط للأبناء حفاوة ومحبة تصعب وصفها الكلمات.

أبتسامة صافية وعيون لامعة بالحب والاحتواء، وصوت ملائكي رحب بحضورنا رغم تأخر الوقت والميعاد، واسترسل الحديث نحو ساعة من الزمان قررت في نفسي الاستماع إلي عذب الكلمات، مضي الوقت سريعاً على موعد لقاء آخر.

وجاء الطلب فورًا لتحديد موعد حوار صحفيا فكان رده” أن أراد ربنا” قاطعًا مجال الإلحاح، ذهبت للبحث مجددًا عنه فكانت المفاجأت عديدة كنت جالسًا أمام باحث فريد في قطاع غاية الأهمية ولكنه مُهمل على مدار الأزمان، سفيرا للكنيسة في عدة مؤتمرات دولية للدراسات والقبطيات والدراسات والآثار ، فنان يراجع سيّر القديسين والأفلام الدينية، بالإضافة إلي سجل حافل بالكتب والمؤلفات.

بعد أيام قليلة تواصلت هاتفيًا مع الأنبا مارتيروس لاجد ترحيبا ومحبة بالغة، وحددنا موعد الحوار، الزحام تسبب في وصولنا متأخرا بصحبة الزميلة المصورة قابل اعتذرنا بابتسامة رقيقة واخرجنا من الحرج بنزول مشروب الضيافة، وبدأ الحوار عكس ماكنت أتخيل لم يتنحي عن إجابة سؤال فكان شفاف وواضح كالمياة، وكلماته تحمل ردًا قاطع لكل علامات الاستفهام.

قررت ان فناء الكنيسة التقيت عمال وشباب ووافدين ليكون حديث الجميع عن أسقف البسطاء ليكون محققًا للآية “وَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً حَسَبَ قَلْبِي، فَيَرْعُونَكُمْ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ” .

رجل يُقدر الواجب لم يتأخر علي سؤال أو طلب واذكر جيدا حينما طلبت نيافته لأجل معمودية نجلي روچيه لم يتواني للحظة في تحديد الموعد وهكذا الحال في أفراح واطرح الجميع تجده اول المشاركين، ويؤمن برحمة الضعفاء، يحفظ التاريخ المصرى قبل الكنسي، يمد يده للشباب، يؤمن بأن عظمة الإنسان تبدأ من الخدمة للجميع فما سمعته من المسلمين قبل المسيحيين يؤكد انني أمام واحدًا من أبرز وجوه التسامح في مصر.

نحتفل معًا بالعيد التاسع عشر لتوالي الأسقف المحبوب مهام شرق السكة الحديد، التي استطاع خلالها تأسيس خدمات لاحصر لها ورعاية يشهد بها أبناء مناطق الزاوية والشرابية ومهمشة، من تعمير النفوس وتشييد المنشآت وتوسيع دوائر الخدمة و الكرازة.

يبدو ان خطوات سمير عزيز عطا الله مرسومة من السماء منذ مولده في كوم حمادة بمحافظة البحيرة ١٤ يناير 1964 في بيت اخرج اسقفا واثنين كهنة من 4 أشقاء له، بدا متفوقًا بالدراسة وعرف بالبحث منذ مهده.

حصل على بكالوريوس التجارة، قسم إدارة الأعمال من جامعة الإسكندرية ويبدو إثرها الإيجابي في خدمته المنضبطة، وكان خادمًا بعدد من الكنائس، ولعل أبرزها كنيسة الشهيد مار جرجس بكوم حمادة قبل الرهبنة والاهتمام بوسائل الإيضاح والبروجيكتور.

واتجه إلى برية شهيت طالبًا للرهبنة بدير العذراء والأنبا يحنس كاما القس الشهير بـ”السريان”، وبعد عدة مرات من مطلبه، وتزكية الراهب القمص فلتاؤوس السرياني (المتنيح والملقب بنسر البرية) دخل للدير طالبا للرهبنة، وخضع للاختبارات على يد الأنبا ثاؤفيلوس رئيس الدير الراحل.

قضى فترة اختبار في الدير من 25 فبراير 1988 حتى رهبنته في 27 أكتوبر 1990م، وترهبن باسم الراهب مرتيروس السرياني؛ ونظرًا لعدم وجود قلالي كافية بالدير أشار البابا شنودة له إلى أن يذهب لدير الأنبا بيشوي لقضاء فترة لحين الانتهاء من بناء مسكن للرهبان الجدد، وظل مترددا بين هنا وهناك لمدة 4 أشهر.

اتسم بالبحث والدراسة، فكان باحثا بدرجة خبير، ولهث للعلم والعمل فكان دارسا جيدا للفنون القبطية والثقافات والتاريخ الكنسي والآثار، وحاصل على دراسات عليا بهذا المجال، وله دور في إزالة الطبقات العازلة من الحوائط الزجاجة الأثرية بالدير، سافر إلى هولندا عام 2000 للاشتراك في مؤتمر القبطيات الدولي.

له العديد من الأبحاث عن تاريخ الأديرة المندثرة، وأصدر كتابا عن دير يوحنا كاما، وآخر عن دير يوحنا القصير، ودير الأحباش، ودير الأرمن.

تولى مسئولية “ربيته الدير” أي أمين للدير لمدة (سنتين ونصف قبل الأسقفية)،التي يصفها بأنها مهمة كانت غاية الحساسية، خاصة عندما يتعامل مع الشيوخ الكبار الذين كان يحترمهم ويستمع إليهم ويقدرهم.

وحال توليه أمينا للدير، شارك في إعداد الاحتفال باليوبيل الذهبي لرهبنة الراحل فلتاؤس السرياني عام 1999، والعام التالي الاحتفال باليوبيل الذهبي لأب اعترافه الراحل متاؤس، اختير من قبل البابا شنودة الراحل ليرسم أسقفا عاما لكنائس شرق السكة الحديد، ولقب (مارتيروس) تعني الشهيد. وفي احتفال 3 يونيو 2001م، الموافق لعيد العنصرة، رسمه البابا شنودة الثالث أسقفا باسم مارتيروس، وتولى عددا من لجان المجمع المقدس منها لجنة الإيمان والتعليم والتشريع ولجنة الطقوس وحاليا رئيس لجنة المصنفات الكنسية.

أنجز من المعمار ما يزيد عن 20 كنيسة فضلا عن المنشآت الخدمية والطبية العامة ودور الأيتام ورعاية المسنين.

كما أستحدث خدمات عديدة وفريدة تعد الأولى من نوعها بالكنيسة منها خدمة العذارى “المتأخرات عن الزواج”، ومركز “بي لمباس” للتراث القبطي بكنيسة العذراء مريم بمهمشة، فضلا عن دوره في رعاية الأيتام والآرامل وغيرها الكثير – سائرًا على دُرب الأرشيدياكون حبيب جرجس الذي أسس كنيسة مهمشة ومنظومة التربية الكنسية في الكرازة المرقسية.

شارك في عدد من المؤتمرات الدولية، ومنها مؤتمر السلام الدولي الذي رفع علم مصر ردا على مهاجمي ثورة يونيو نموذجًا وطنيا وكنسيا ندعو الله يحفظ خدمته ويزيدها خيرا ونمو لخدمة الوطن والكنيسة.. كل ثانية ونيافتك بكل خير ومزيد من العطاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار