د. احمد حسين يكتب .. إصلاح التعليم طريق النجاة (1)

السؤال الأهم: كيف ….؟
أعتقد أنه ومن خلال ما تمر به مصر من تحديات اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية يتضح من خلالها أنه لا طريق للخلاص والنجاة سوا الوقوف وتقدير حجم ما نواجه والبدء فى مواجهة تلك التحديات وتحديد أفضل الطرق لمواجهتها، وقولا واحدا مواجهة تلك التحديات طريقه واحد ومحدد وهو العلم والتعليم والبحث العلمي ومفرداته لأن ما نحن فيه هو سبب ونتيجة لتدهور التعليم، والتغلب على ما نحن فيه طريقه إصلاح حال التعليم وتطويره بما يحول مواردنا البشرية إلى ثروة تبني وتواجه وتنتج وترتقي بالوطن وقضاياه المصيرية.
إن الدعوة إلى إصلاح التعليم هى دعوة تُوافق الجميع ومُتوافق عليها من الجميع حيث أننا وصلنا لحالة فى التعليم من العقم والعجز عن تحقيق الأهداف المرجوة لا مثيل لها، وأنا هنا لن أجيب بترتيب التعليم عالميا وإن كان مهم ولكن سأجيب من أساس وعماد التعليم من أرض الواقع وهى المدرسة التى هى العنصر الأساسي فى تحقق التعليم فالمدرسة أصبحت طاردة للطلاب وغير قادرة على تلبية احتياجاتهم التعليمية الفكرية والاجتماعية والوجدانية واالثقافية واختُزل التعليم فى تلقى الدروس واجتراها، والكارثة حتى هذه أصبحت لا تؤديها المدرسة وأصبحت تُؤَدى فى مراكز الدروس الخصوصية، وتجدنا نتحدث عن غياب الهوية والمشترك الوطنى، ومهارات التعايش والتفاعل الاجتماعي والاندماج وبناء الشخصية السوية والقيم الإنسانية العظيمة، ناهيك عن الكفاءات العلمية والمهنية… كيف لها أن تتحقق والمدرسة غائبة!! كيف لها أن تُبنى وبانيها غائب!!

وبالتالى ففى رأيي كلنا متوافقون على أن التعليم هو جوهر الوطن ومستقبله, وكلنا متوافقون على أهمية إصلاحه ولكن السؤال الجوهري: ما الإصلاح؟ ومن المسئول عنه؟ كيف تَحقُقه؟ والسؤال الأهم والمفصلي: ما الطريق الذى يحققه؟ وماالآليات التى ترسخ نجاحه؟ تلك أسئلة جوهرية إن أجبنا عليها حققنا إصلاحًا حقيقيًا للتعليم لاحديث هنا وآخر هناك، والإصلاح ببساطة عملية تغيير للجوانب السلبية وتطويرها للإيجابية وتدعيم تلك الايجابيات فى عملية منهجية مستمرة ومتراكمة تُنجز وتتطور بتطور نمط البيئة المجتمعية وبتغيراتها المتلاحقة وباحتياجتها المختلفة، ولتحقيق هذا هناك أسس وأبنية راسخة مُؤسس لها مؤسسيا وتشريعيا لارؤى فردية لمسئول يأتى ليحقق رؤاه والتى ترحل برحيله وتنتهى، وندور فى هذه الحلقة رؤى فردية ورحيل.. والنتيجة تجارب لا تحقق تطوير ولا تبنى تعليم حقييي يبني الإنسان و يواجه التحديات ويقدم البدائل والحلول.

إن تطوير التعليم ليكون عماد نهضة مصر وحاضة تقدمها وليكون حاضرها عظيم ومستقبلها مشرق لكى نُحققه لابد أن ينطلق من منظومة عمل تقوم على أسس علمية ومنهجية، ومنطق مؤسسي ينطلق من عمل وجهد ورؤية جمعية مؤسسية راسخة متكاملة ومتواصلة متناسقة ومستمرة عبر أبنية مؤسسية ومنهجية تحقق النجاح فى عملية تطوير التعليم وإصلاحه مُؤسس لها تشريعيا عبر أبنية مؤسسية متخصصة تعمل على إصلاح التعليم وتطويرة وفق أسس منهجية وعلمية تحقق النجاح ولا شيء سواه.

وحديثنا هنا عن طريق الإصلاح وأُسسة وأبنيته التى تُحققه وتنجزه وترسخ نجاحة وتطورة والطريق القويم والركائز اللازمة لتحقيق إصلاح التعليم وتطويره، وهو حديث يجيب عن السؤال الأهم والأصعب: كيف الطريق لإصلاح التعليم وتطويره ؟ وما الأسس والآليات التى تحققه كبنية راسخة وناجحة؟ والذى مؤداه تحقيق أبنية وأسس وركائز تحقق الإصلاح والتطور كمنهجية عمل دائمة ناجحة ومتراكمة والذى يأتى فى مقدمتها:-

أولا: البناء الدستوري والتشريعي: مطلوب تحقيق النصوص الدستورية مناط التعليم وتطويرها باستمرار بما يتوافق مع طبيعة الاحتياجات وتنوع التحديات وبما يحقق مفرداتها المادية والجوهرية فورا ودون تأجيل تحت أي مسمى.
ثانيا: بناء تشريع قانوني جديد للتعليم يرسخ البناء الدستورى ويحقق مقتضياته، ويعزز نجاح منظومة التعليم وتحقيقها لأهدافها وفق رؤية وطنية جمعية للتعليم، مشروع حاضر ومستقبل ووجود، وينطلق هذا البناء التشريعى من أسس متنوعة فى القلب منها المدرسة بأركانها المتعددة، ومن كونها الركن الأساسى والجوهرى للتعليم ولتطويره، ويرتكز على مفرداتها ويعزز من توفير كافة الإمكانات والموارد المادية والبشرية اللازمة لها، بما يسمح بحرية الحركة والفعل، وبما يعزز من الامكانيات القدرة والنجاح، وبما يجعل المدرسة مؤسسة قادرة على الفعل والانجاز فى أصعب الظروف, ويُرسخ للامركزية اتخاذ القرار على مستوى المديريات والادارات المدارس، ويؤسس لسياسات تعليمية تحقق الكفاءة والمسئولية والمحاسبة، وييبنى ويضع الأسس التشريعية لثلاث أبنية مؤسسية مستقلة فى الآداء وفى التبعية وتتكون تلك الأبنية المؤسسية مما يلى:-

1- المؤسسة الأولى: تكون مسئوليتها صوغ السياسات التعليمية وتكون وزارة التربية والتعليم ونقابة المهن التعليمية من أحد مكوناتها بالإضافة إلى المؤسسات المجتمعية والتى منها على سبيل المثال لا الحصر: مجالس كليات التربية، المراكز البحثية التعليمية والتربوية، المجالس المتخصصة، مؤسسات المجتمع المدنى لجان التعليم بالأحزاب، ممثلين للوزارات المختلفة، ممثلين للآباء…. وتكون تبعيتها لرئاسة الجمهورية ورئاستها لرئيس الجمهورية.

2- المؤسسة الثانية: وتكون مسئولة عن تنفيذ السياسات التعليمية وتتمثل فى وزارة التربية والتعليم وتكون مسئولة عن تنفيذ تلك السياسات فقط وتتبع رئيس مجلس الوزراء.
3- المؤسسة الثالثة: مؤسسة مستقلة تابعة لمجلس النواب وظيفتها متابعة تنفيذ تلك السياسات وتقيمها وتقويمها على أرض الواقع ووفق مقتضيات تحقق النجاح الحقيقي.
وضع فصل خاص بأعضاء هيئة التدريس يؤكد على أن يكون لهم فيه كادر خاص واضح ومحدد لا لبث فيه، ووضع خاص فى الرواتب بما يوفر لهم الحياة الكريمة وفى التعامل اجتماعيًا يعلي من قيمة واحترام المعلم ويؤسس لكفاءته المهنية والعلمية والمعرفية ولمحاسبته فى ضوء الكفاءة والمسئولية، ويحافظ على احترام المدرسة وقيمتها بالمجتمع ،ويضع منظومة لاختيار القيادات التربوية بطريقة موضوعية اجرائية تُفرز فى ضوء الكفاءة والإبداع والقدرة على تحقيق النجاح، ويُرسخ من ربط منظومة التعليم بالعلم والبحث العلمى ومنهجيته، وبالوطن وقضاياه الحقيقية والجوهرية بعيدًا عن التوجه السياسي للسلطة ولمنظومتها السياسية قضايا الوطن والتعليم والبحث العلمي ولا شيء سواهم.

ثالثا: وضع تشريع قانوني جديد لنقابة المهن التعليمية يطور من آدائها يتماشى مع الواقع ومفرداته المتغيرة ويعزز من بناء نقابة مهنية قادرة على تطوير العمل النقابى والمهني، ومن المشاركة فى صنع السياسات التعليمية والدفاع عن حقوق المعلمين وقضاياهم, ويوفر لهم الرعاية والحماية النقابية, ويطور من الآداء المهنى لهم ويعزز من الرضا الوظيفى لديهم.
وهكذا يكون طريق إصلاح التعليم وتطويره وفق أسس وأبنية موضوعية قائمة على مشروع وطنى، ورؤية مؤسسية راسخة تفصل بين الصلاحيات، بما يؤكدد على جودة نواتج التعليم والقدرة على تطويره وتعزيز أركانه لا آليات فردية قائمة على توجه وزارة ورؤى فردية ترحل برحيل الفرد ورؤيته ليأتى غيره وهكذا الحال فى دائرة لا تحقق التراكم والتواصل والتطوير فى ضوء أرض الواقع ومقتضيات تطويره ونجاحه، ما نحن بصدده أبنية مؤسسية حقيقية وظيفتها التعليم وتطويره ولا شيء سواه.

إن عملية الإصلاح تلك هى عملية مؤسسية وعلمية بالدرجة الأولى وليست بأى حال من الأحوال عملية فردية أو اجتهاد ورؤى فردية مهما كان صاحب هذا الاجتهاد ومهما كانت رؤاه، لأن التعليم ببساطة هو أمل ومستقبل هذا البلد وقدرتها لمواجهة التحديات، وفى دولة مثل مصر حجم التعليم وأدواته ومفرداته هو من الضخامة بمكان ومن تنوع طبيعته وبيئات تلقيه مما يجعلنا نؤكد على أن مسئولية تطويرة مسئولية مشتركة مجتمعية ومؤسسية وعلمية يشارك فيها الجميع ويُفصل فيها بين مستويات الآداء: من تحديد الأهداف، وصنع السياسات وتنفيذها، وتقويم تحققهها بما يعزز الآداء ويقومه ويُحاسب ويبني عليه، وهى قُدرة من الصعب أن يتحملها فرد أو مؤسسة واحدة كوزارة التربية والتعليم ووزرائها وهو الحادث الآن وخبرناه على مدار تاريخنا وفى ضوء تجاربنا التى لم تسفر شيء سوا التجربة والمزيد من التجربة وتكرارها.
آن الآوان لنبنى رؤية راسخة لتطوير التعليم قائمة على أسس وأركان ثابتة، ونتاج مرجعية مؤسسية وأبنية دستورية وقانونية، ومنظومة عمل ومنهجية علمية متراكمة ومتواصلة ومتطورة، تعمل فى ضوء الكفاءة وتحققها، والمسئولية وكفاءتها، والقدرة وإبداعها، والآداء المتطور المتراكم الناجح والمتجدد، بما يؤسس لتعليم قادر وفاعل يطور الحاضر ويرتقى بوجوده، ويأخذ الوطن للرقي وللحضارة وللمستقبل المجيد.
بلادي بلادي لكي حبي وفؤادي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار