احمد الخميسى يكتب.. رفـاعـة الـطـهـطـاوي .. وطـن نـصنـعـه ويـصـنـعـنـا

 

توفي رفاعة رافع الطهطاوي في 27 مايو 1873، وتمر هذه الأيام ذكرى رحيله الثامنة والأربعون بعد المئة. وقد كان الأديب الكبير بهاء طاهر محقا حين وصف كبار المثقفين المصريين الذين ظهروا بعد رفاعة بأنهم جميعا ” أبناء رفاعة”. فقد خرجت الثقافة المصرية الحديثة كلها بل والعربية من معطف ذلك الفلاح العبقري الذي فتح أمام العلم والثقافة والتحرر الاجتماعي كل الأبواب الموصدة. أرسلته الحكومة الى باريس عام 1826 إماما وواعظا لطلاب بعثة فدرس الفرنسية وترجم اثني عشر عملا إلى العربية قبل أن يتم قبوله عضوا في البعثة علاوة على كتابه المهم ” تخليص الإبريز في رحلة باريز”. وعند عودته إلى مصر أنشأ مدرسة الألسن وافتتحها عام 1835، ومن ضمن مآثره الكبرى أنه استصدر قرارا بتدريس العلوم والمعارف باللغة العربية في وقت كانت اللغة التركية فيه السائدة، وترجم ما يزيد عن خمسة وعشرين كتابا، وكان أول من نشر مفهوم المواطنة الذي أسماه ” المنافع العمومية” التي تقوم على :” الحرية والاخاء والمساواة بين أبناء الوطن الواحد”، وطور جريدة الوقائع عام 1842 من حيث الشكل والمضمون وأفسح فيها مجالا لنشر الأدب، وكانت قبل رفاعة مجرد نشرة حكومية، ثم أصدر جريدة روضة المدارس عام 1870، وهو أول من نادى بتعليم المرأة في كتابه ” المرشد الأمين للبنات والبنين” واتخاذها صديقا وأختا ورفيقة درب، وترجم الدستور الفرنسي ليظهر أن الحكم ينبغي أن يقوم على الفصل بين السلطات ولا يكون بيد حاكم فرد أيا كان. وقد عبر الطهطاوي في سماء مصر مثل عاصفة من النور، سرعان ما عمل الاستبداد على اطفائها مع تولى الحكم عباس باشا الذي أغلق مدرسة الألسن ونفى رفاعة إلى السودان عام 1850، وظل في المنفى أربعة أعوام قام خلالها بترجمة رواية ” تليماك” التي أسماها” مواقع الأفلاك في وقائع تليماك” ولعل الأدب العربي الحديث كله لم يعرف ترجمة لرواية فرنسية قبل تلك، فنبه رفاعه إلى أهمية الأدب والقصة، وظل رفاعة في منفاه حتى توفى عباس وتولى سعيد الحكم فرجع إلى مصر. وحين توفي على بن رفاعة الطهطاوي رثاه أحمد شوقي بقوله : ” أبوك كان لأبناء البلاد أبا “. والآن انظر الي هذا الفلاح العبقري الذي جاء من الصعيد حين تزوج من بنت خاله عام 1840 وسجل بخط يده عقد قرآن يكتب فيه بالنص : ” التزم كاتب الأحرف رفاعة بدوى رافع لابنة خاله المصونة الحاجة كريمة بنت العلاَّمة الشيخ محمد الفرغلى الأنصاري أن يبقى معها وحدها على الزوجيَّة دون غيرها من زوجة أخرى أو جارية أياَّما كانت وعلَّق عصمتَها على أخذ غيرها من نساء أو تمتع بجارية أخرى.. فاذا تزوَّج بزوجة أياَّ ماكانت تعد بنت خاله بمجرد العقد خالصة بالثلاثة”. أي أن ذلك الرجل القادم من أعماق الصعيد، رأى منذ نحو مئتي سنة أن للزوجة حق الانفصال إذا عاشر زوجها غيرها أو تزوج من أخرى، كما حرم على نفسه التمتع بما سمح به الشرع من زوجات وغير ذلك. وكانت عبقرية الطهطاوي الفذة تسترشد بالفكرة التي صاغها الطهطاوي على النحو التالي : ” فليكن الوطن محلا للسعادة المشتركة نبنيه بالحرية والفكر والمصنع”! وطن نصنعه ويصنعنا.
احمد الخميسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار