سعيد فايز يكتب ..التعايش السلمي وإدارة التنوع ” إقرار واعتراف”

نحن شعب نشأ على فكرة التعصب، أعلم أن كلماتي هنا سوف تشعل غضب القارىء الكريم ولكن ينبغي أن نعترف بعيوبنا حتى نعالجها واسمحوا لي أن أبرر هذه الفكرة.

أتذكر وأنا طفل في مرحلة التعليم الابتدائي كيف كنا نلقي النكات متبادلين التنمر بين الصعايدة والفلاحين وكيف كنا نغضب كأطفال بسبب هذه الدعبات التي تلقى على من ننتمي إليهم .

أذكر الآن بعد كل مباراة لكرة القدم بين النادي الأهلي ونادي الزمالك مثلا حجم الكومكس والنكات التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي على الفريق الخاسر منهما حتى أن النكات والكومكس على فريق الزمالك إن ربح المبارة، وكيف استخدم الإعلام هذه الحالة مستخدما لاعبين أو روساء الأندية في إلهاء الناس بأخبار كثيرة وسخيفة أحيانا؛ حتى وصل بنا التعصب لنادٍ أو أخر إلى مشاجرة بالأيدي والألفاظ.

حتى في دائرة النقاش الديني كم مرة شاهدنا على قنوات الفضائيات تشابك يصل إلى حد السب والقذف وإباحة الدماء لأن هناك شيخ يروج لفكرة وآخر يعتبر هذه الفكرة ضلال مبين والاثنين من نفس الدين! هذا لم يكن في الدين الإسلامي فقط ولكن لو وضعت قس أرثوذكسي مع آخر كاثوليكي أو إنجيلي وفتحت باب لمناقشة العقيدة سوف تجد هذه النتيجة.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعى “خاصة فيسبوك وتويتر” فى مصر ستجدها مليئة -إلى حد يجعلك ترتعب- بدعاوى الكراهية ورفض الآخر من أجل لون أو جنس أو عقيدة ولنا في شخصية الدكتور مجدي يعقوب مثال في ذلك.

الدكتور مجدي يعقوب طبيب ماهر عالمي يشار له بالبنان في كل مكان فخر لكل مصري وكل عربي أيضا حتى أنه فخر لكل إنسان، لم يكن نجاح مجدي يعقوب لكونه مصريا أو قبطيا ولكن هذا النجاح كان تكليلا لمجهود وتعب وإيمان منه بدور يتخطى التصنفيات المعروفة وفي كل مرة يجعل فيها نجاح لهذا الجراح العظيم نجد أنفسنا أمام سؤال يطرح على مواقع التواصل، هل مجدي يعقوب سيدخل الجنة من عدمه؟! هل هو كافر أم مؤمن؟! هل يجوز التبرع لمستشفى مجدي يعقوب أم لا؟! وندور جميعا في فلك الفخ المنصوب لنا لندافع عن مجدي يعقوب أو نهاجمه وننسى أهمية الدور الذي يقوم به هذا العظيم، كثير وكثير من الأمثلة التي من الممكن أن أقدمها لكم هنا عن تعصبنا ولكني اكتفي بهذا.

الحل من وجهة نظري هو تبديل عادة التعصب بفكرة التعايش؛ من المهم أن نخرج خارج فكرة التحيز للرأي والأفكار إلى القبول بأن هناك أراءً وأفكارًا كثيرة في العالم غير أفكارنا، ينبغي أن نحترمها إن لم يكن من أجل وجاهة الفكرة فليكن من أجل أصحابها؛ حسنا كانت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي حينما قال إن وجدت نفسك تغضب لمشاهدة بناء كنيسة فانت تحتاج إلى مراجعة إيمانك، هكذا أراد الرئيس مواجهة التعصب والكراهية نحو ترسيخ قبول الآخر.

هل من الممكن عزيزي القارئ أن تتخيل معي عدد الأديان على كوكب الأرض؟، قبل أن أصدمك بعددها دعني أخبرك مع التأكيد أن كل أتباع دين فيهم مهما كثر عددهم أو قل يؤمنون أن إيمانهم ومعتقدهم ومذهبهم هو الطريق الوحيد للعبادة الصحيحة وأن أي طريق آخر هو هالك لا محالة.

تخيل معي الآن أن أتباع كل دين أخذوا قرارًا بإجبار باقي سكان هذا الكوكب على اعتناق مذهبهم أو إيمانهم أو عقيدتهم؟ سنكون أمام حالة من التناحر والاقتتال كفيلة أن تقضي على نصف سكان هذا الكوكب؛ وحدث هذا في الماضي البعيد والقريب ولذلك آن الأون أن نتعلم أن نتعايش ونترك تقييم العقيدة ليوم آخر بيد الخالق.

الكراهية تبدأ بأن أميز نفسي وسط الناس بأنني على حق والباقي على باطل ويأتي من بعدها إزاء الآخر ودعاوى التمييز ثم التشابك اللفظي إلى أن نصل إلى إراقة الدماء، إذَا الحل أن نتعايش ولكن هل نتعايش على طريقة قبلات وأحضان الشيخ والقسيس عقب كل أزمة طائفية؟ هذه الطريقة أثبتت فشلا ذريعا لم تنه الأزمات وهذا يجعلنا نبحث عن تعايش بمواصفات خاصة ومحددة مسبقا حتى يكون هذا التعيش سلام حقيقي ومثمر؛ اليوم ينبغي أن نثمن التعايش ونتعلم أن ندير هذا الكم من الاختلاف بيننا ولكن من أين نبدأ؟ هذا سيكون مقالي القادم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار