محمد زكي الكراني يكتب..إنشاء المجلس المصري و تأثير القانون الجديد على القطاع الصحي

 

صدق رئيس الجمهورية على القانون رقم 12 لسنة 2022 بشأن تنظيم وإدارة المجلس الصحي المصري، يهدف المجلس الصحي المصري للتنسيق بين الهيئات والمؤسسات المختلفة المُخوَلة بتدريب ومنح صلاحيات ممارسة المهن الصحية، ومن ضمن صلاحياته اعتماد برامج التدريب وإجراء الاختبارات التي من شأنها منح صلاحية ممارسة المهنة للأطباء، ويحل المجلس محل الهيئة المصرية للتدريب الإلزامي واللجنة العليا للتخصصات الطبية في كامل تخصصاتهما.
تُحاوِل الحكومة المصرية من خلال ذلك القانون توحيد الجهود والموارد الخاصة بمنح الشهادات الطبية، فعلى غِرار أغلب دول العالم المُتقدم في النظام الصحي، تؤول مسئولية منح الرخص الطبية واعتماد البرامج التدريبية اللازمة للترقي إلى جهة واحدة بما يضمن التنسيق الجيد بين كافة المؤسسات الصحية وكذلك توحيد الرؤَى تجاه رفع مستوى التعليم الطبي وأداء العاملين بمجال الصحة من أطباء ، تمريض، فنيين صحيين… إلخ.
يُلقي المقال الضوء على أهم معالم القانون الجديد، الاختصاصات الأهم للمجلس المُزمع إنشائه، التحديات المُتَوَقَعة التي ستواجهه، وطرح رؤية مُبَسَطة حول ضرورة سياسات صحية جديدة.
نقل اختصاصات الهيئة المصرية للتدريب الإلزامي للمجلس الصحي المصري:
تتناول مادتي 3 و 4 من القانون أهم الصلاحيات الممنوحة للمجلس الصحي المصري وهي إجراء اختبار االتأهيل لمزاولة المهنة ، وشروط تجديد التراخيص ، ومنح شهادة “البورد المصري” لمزاولة المهنة لخريجي الكليات الخاضعة لأحكام القانون. وتم نقل تلك الاختصاصات من الهيئة المصري للتدريب الإلزامي بخصوص الأطباء.
إجراء اختبارات خاصة بمزاولة المهنة وشروط التجديد يضع عبء إضافي على الطبيب المصري حديث التخرج، وبدلاً من إجراء سياسات من شأنها جذب الطبيب المصري حديث التخرج للعمل الحكومي، تهدف الحكومة المصرية إلى إنشاء مجالس وهيئات من شأنها زيادة الأعباء المادية والنفسية على الأطباء المصريين من خلال إجراء اختبارات مزاولة المهنة مثل اختبار البورد المصري الذي بدأ في 2019 تحت اشراف الهيئة المصرية للتدريب الالزامي وتنتقل تبعيته بحكم القانون الجديد للمجلس الصحي المصري.
وسط بيئة عمل طاردة للأطباء، وفقاً لتصريحات حكومية آخرها ما أصدره دكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي، والقائم بأعمال وزير الصحة في حديثه عن أزمة هجرة الأطباء المصريين، “هناك أبحاث تشير إلى أنه بوصولنا لـ 2030 سيكون هناك عزوف عن المهنة”، وبجانب تلك التصريحات، أرقام أغلب دراسات تشير إلى هجرة أكثر من 62% من الأطباء المصريين للخارج، ينبغي على الحكومة المصرية البدء في طرح سياسات من شأنها زيادة الرواتب، تطوير مستوى التعليم الطبي، خلق منظومة التأمين ضد الأخطاء الطبية ورفع كفاءة الوحدات الصحية التي تُعَد الركن الأساسي والأهم للمنظومة الصحية بدلاً من زيادة المعوقات التي تقف أمام جذب الطبيب للعمل داخل مصر ولاسيما بالقطاع الحكومي.

المجلس الصحي المصري ونظام الزمالة الجديد:
اصدرت وزارة الصحة نظام الزمالة الجديد في عام 2019، والذي ينص على توزيع جميع الطلاب الخريجين على نظام الزمالة بالتخصصات المختلفة لعدد من السنوات تتراوح بين ثلاثة لسبع سنوات حسب التخصص تنتهي بحصولهم على درجة أخصائي بالتخصص الذي تم اختياره. القرار الذي لاقى انتقادات عديدة بسبب عدم وضوح كيفية تعويض الوحدات الصحية التي تعاني من نقص عدد الأطباء. وحتى الوقت الحالي لم يتم تحديد اذا ما سيستمر ذلك النظام أم سيتم العودة لنظام التكليف القديم(توزيع الخريجين على وحدات الرعاية الصحية للعمل بها لمدة عام إلى عامان). فوفق تصريحات المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور حسام عبد الغفار، فمازالت الوزارة تدرس النظام الأمثل لاستيعاب خريجي ال دفعة مارس 2022، ومن بينها التمسك بنظام الزمالة الجديد، العودة للتكليف القديم او المزج بين النظامين بأن يختار كل طبيب النظام الأمثل له.
ذلك التخبط في قرارات وزارة الصحة آيضاً يثير التساؤلات حول مصير نظام الزمالة الجديد في ظل إصدار قانون المجلس الصحي المصري، فالمادة الثانية من القانون تنص على صلاحية المجلس في تطوير مستوى التدريب الطبي والصحي للأطباء والعاملين في مختلف التخصصات الطبية ولخريجي الكليات الطبية والصحية، واختبارهم للتحقق من التأهيل الكافي للممارسة. فهل سيندرج نظام الزمالة الجديد إذا اقرته الوزارة كما هو تحت اختصاصات المجلس الصحي المصري؟ وكيف سيتم التنسيق بين الزمالة وامتحانات البورد المصري؟ كلها أمور يجب أن يجد الطبيب المصري وكل شخص معني الشأن الصحي الإجابة عليها، بخاصة في ظل التحديات التي تواجه النظام الصحي المصري والبدء في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل التي تحتاج إلى جذب عدد كبير من الأطباء للعمل داخل القطاع الصحي ومكافحة هجرة الأطباء للخارج.

استقلالية المجلس الصحي المصري:
تجاهلت فلسفة القانون ضرورة استقلالية المجالس المعنية بتطوير القطاع الصحي، وضمان تمثيلها العادل والمتكافئ لكل أطراف المنظومة الصحية، فالمجالس الصحية المتخصص يتعين أن تتمتع بدرجة من الاستقلالية عن الحكومة (التي تُعد أحد أطراف المنظومة الصحية وليست الطرف الحكم).
ورد تشكيل مجلس الأمناء واختصاصاته في المواد (5،6،7) من وزراء الدفاع، المالية ، التعليم ، الصحة ، الداخلية ، وثلاثة خبراء تدريب طبي يختارهم رئيس مجلس الوزراء ، ويختص مجلس الأمناء برسم السياسة العامة للمجلس.
بدلا من مجلس إدارة المجلس الصحي المصري، المكون بالاساس من ممثلي الكليات المختلفة و النقابات المختلفة ، يتولى مجلس الأمناء (الذي يغلب عليه الطابع الحكومي) اعتماد الخطة العامة لعمل المجلس وبرامجه ، آليات التقيييم ، اللوائح المالية والادارية والفنية ، إنشاء فروع المجلس، إعداد وإبداء الرأي في مشروعات القوانين. فالاختصاصات الأهم والأوسع تقع تحت سلطة مجلس مجلس الأمناء بتشكيله الحكومي. بناء على ذلك ، فمقترح مجلس الأمناء يُقوض من تطوير المنظومة الصحية في مصر وما تحتاجه إلى استقلالية.

ما الذي يحتاجه القطاع الصحي في مصر؟
لا شك أن قانون المجلس الصحي المصري هو خطوة سياسية هامة في التنسيق بين جهات معنية مختلفة بشأن تطوير التدريب للعاملين بالمنظومة الصحية، إلا أن التحديات التي تواجه المشروع من تضارب مع سياسات وزارة الصحة، التمثيل الغير متكافئ لمجلس الأمناء وزيادة أعباء الاختبارات الطبية على الخريجين الجدد تمثل جميعاً خطورة حول تحقيق فلسفة القانون.
تتبنى الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة عدد من السياسات من شأنها رفع مستوى الخدمات الصحية، على رأسها قانون التأمين الصحي، نظام الزمالة الجديد، إنشاء هيئة التدريب الطبي الإلزامي التي تم استبدالها بالمجلس الصحي المصري بتخصصات أوسع تشمل كافة التخصصات في مجال الصحة. إلا أنه بالرغم من تلك الجهود، فغياب التنسيق بين كافة السياسات يؤثر سلباً على النتيجة المَرجُوَة وهي رفع مستوى الخدمات الصحية بشكل لائق لجميع المواطنين. فيجب البدء في طرح سياسات تهدف التنسيق بين جميع أطراف المنظومة الصحية (من نقابات العاملين بالهيئات الصحية، الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الصحة، روابط لتمثيل حقوق المرضى، القطاع الخاص بمكوناته المختلفة من المستشفيات الخاصة وشركات التأمين) بدلاً من تعدد المجالس التي تتضارب صلاحيتها السياسية مع وزارة الصحة. استقلالية تلك المجالس، الحفاظ على الحد الادنى من التمثيل العادل لكافة الأطراف الصحية، توحيد رؤى السياسات الصحية من خلال مجالس متخصصة لا تخضع للمتغيرات السياسية هي الحلول الأمثل التي توازن بين المصالح المختلفة بالقطاع الصحي، وتُوَحِد الرؤى الخاصة بالسياسات الصحية بمصر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار