محمد ابو العيون يكتب : مخطط “أخونة الأزهر”.. كيف أصبح الأزهر والإخوان شركاء في نفس المسار؟! (الحلقة الثالثة)

 

◄ الأزهري المخادع.. «محمد الغزالي» تلميذ «البنا» الوفي

حين اتخذت قرارًا بنشر حلقات «مخطط أخونة الأزهر»، لم يكن الهدف تشويه هذا المعهد العريق أو القدح في علمائه الأفاضل؛ فكيف هذا وأنا واحد من أبناء الأزهر، الذين وهبوا حياتهم لخدمة هذا الصرح العريق، لكني آثرت كتابة هذه الحلقات لتكون مرجعية تصحح الطريق للنشء الصغير، وتضع الأمور في نصابها الحقيقي، وتنفي عن الأزهر خبث بعض الموتورين الذين انتسبوا إليه دون مراعاة هيبة العمامة التي يرتدونها.

لقد كتبت هذه الحلقات وآثرت نشرها متحملًا التبعات، بعد أن تأكد لي بالوقائع والأحداث التي كنتُ شاهد عيان على أكثرها أن هناك من يُصر على أخذ الأزهر إلى طريق آخر، حيث لا وسطية، ولا تجديد، بل جمود وانغلاق وتقليد، سبقه تشدد ورعاية للأفكار المتطرفة، وللجميع نؤكد أن هؤلاء (وإن كانوا ينتسبون إلى الأزهر) إلا أنهم بأفعالهم المشينة لا يمثلون إلا أنفسهم، ويبقى الأزهر بأبنائه منارة لعلوم الدين والدنيا، ومرجعية أُولى للمسلمين، لا يضره من حاد عن جادة الطريق. لذا لزم التنويه.

تطرقنا في الحلقة الثانية من حلقات (مخطط أخونة الأزهر.. كيف أصبح الأزهر والإخوان شركاء في نفس المسار؟!)، التي نكشف فيها المخطط الكامل لمحاولات السيطرة على الأزهر الشريف من قبلِ جماعة الإخوان المسلمين، إلى تسليط الضوء على نجاح جماعة الإخوان في تحقيق استراتيجية خداع العقل الجمعي، مستخدمين في هذا الأزاهرة الذين تربوا على يد أحمد حسن الباقوري، أثناء السنوات الخمس التي تولى فيها رئاسة جامعة الأزهر (1964- 1969)، وأوضحنا أن هذا الخداع خطة ذات شقين.

الشق الأول منها ظهرت ثماره سريعًا، وتمثل في تجنيد خريجي الأزهر للقيام بدور المشرعن لأعمال الجماعة، وهو الدور الذي قام به المنظر الفقهي الأول للجماعة الإرهابية يوسف القرضاوي؛ إذ أنه ابتدع ما أطلق عليه «فقه الأولويات»، الذي تحايل من خلاله على النصوص الفقهية، وشرعن – زورًا وبهتانًا – إرهاب الجماعة.

أما الشق الثاني من استراتيجية خداع العقل الجمعي، الذي أراد الإخوان تحقيقه من وراء تجنيد خريجي الأزهر، فهو استغلال ثقة الناس في عمامة الأزهر، واستخدامهم في «غسل سمعة رموز الجماعة»، وعلى رأسهم حسن البنا، وتقديمه كإمام مجدد، خارق الذكاء، أفنى عمره في سبيل الدعوة إلى الله، إضافة إلى تقديم سيد قطب، كأنموذج للاعتدال، وتبرئته من كل تطرف، وإلباسه ثوب الشهيد المظلوم الذي شوهه الأشرار (نظام عبد الناصر) الكارهون للإسلام، وهو الدور الذي مكنّ الجماعة من استقطاب البسطاء والمغيبين، الذين وثقوا في الأحاديث المزيفة عن رموز الجماعة، لمجرد أن رواتها يرتدون عمامة الأزهر، والحقيقة أن هذا الدور بدأ كوادر الجماعة الأزاهرة تنفيذه منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، واستمر حتى يومنا هذا.

وفي هذه الحلقة نتوقف عند تاريخ «أزهري»، قام بدور محوري في خدمة جماعة الإخوان، ومازال العالم أجمع يتحمل تبعات دوره الكارثي حتى اليوم، وهذا الأزهري هو الشيخ محمد الغزالي (22 سبتمبر 1917 – 9 مارس 1996)، الذي يُعد أبرز من أدى دور «غسل سمعة رموز الجماعة»، إضافة – وهذا هو الأخطر – إلى كونه يُعد سببًا رئيسيًا في خروج أفكار المنظر الإخواني سيد قطب، إلى النور، ولولا الغزالي لوأد فكر قطب التكفيري، ولاستراح العالم من تبعات نشر هذا الفكر الظلامي، ولما وجدت الجماعات والتنظيمات الإرهابية مرجعية تشرعن من خلال الاستناد إليها أعمالها الإجرامية التي يريقون فيها دماء الأبرياء، ويخربون الأوطان، ويدمرون المؤسسات العامة والخاصة.

انضم الغزالي، إلى جماعة الإخوان في سن مبكرة (عام 1937)، وكان من رعيلها الأول، وممن عايشوا مؤسسها حسن البنا، وتتلمذ على يديه سنوات كثيرة، ويقول عن هذا في كتابه «قذائف الحق»: «انتسبتُ لجماعة الإخوان فى العشرين من عمري، ومكثت فيها قرابة سبع عشرة سنة، كنت خلالها عضوًا فى هيئتها التأسيسية، ثم عضوًا فى مكتب الإرشاد العام».

جمعت الغزالي، علاقة وطيدة بمؤسس الجماعة حسن البنا، يصف بدايتها بقوله: «كان ذلك أثناء دراستى الثانوية، وكان من عادتي لزوم مسجد عبد الرحمن بن هرمز بالإسكندرية، حيث أقوم بمذاكرة دروسي، وذات مساء نهض شاب لا أعرفه يلقي على الناس موعظة قصيرة شرحًا للحديث الشريف: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن}، وكان حديثاً مؤثراً يصل إلى القلب، ومنذ تلك الساعة توثقت علاقتي به، واستمر عملي في ميدان الكفاح الإسلامي مع هذا الرجل العظيم إلى أن استشهد عام ١٩٤٩م».

استغل الغزالي، عمامة الأزهر، ومضى منذ سنوات شبابه الأولى، متكئًا على أسلوبه الأدبي الذي تميز به، في السير قُدمًا نحو تحسين صورة الجماعة، وتقديم عناصرها (وبالأخص مؤسسها حسن البنا) على أنهم الدعاة والمجاهدين والفتية الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه (وهو الدور الذي سيستمر في أدائه حتى وفاته عام 1996 م)، ولأن الرجل أجاد لعب دور المخادع للرأي العام، فقد لقبه البنا بـ«أديب الدعوة».

وتعود قصة هذا اللقب إلى عام 1945 م، وهو العام الذي كتب فيه الغزالي، مقالًا في مجلة الإخوان، تحت عنوان: «الإخوان المسلمون والأحزاب»، عقب عليه البنا، برسالة بعث بها إلى الغزالي، يقول فيها:
«أخي العزيز الشيخ محمد الغزالى..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
قرأت مقالك: الإخوان المسلمون والأحزاب، فى العدد الأخير من مجلة الإخوان، فطربت لعبارته الجزلة ومعانيه الدقيقة وأدبه العف الرصين، هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون، اكتب دائمًا وروح القدس يؤيدك، والله معك..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

لم يتوقف الدور الذي لعبه الغزالي، في خدمة جماعة الإخوان عند حد تزييف وعي البسطاء وخداعهم في حقيقة حسن البنا، وإظهار مخططات وأفكار الجماعة التي لا تمت للإسلام بصلة على أنها الإسلام الحق، بل إن الرجل كان دائم التمجيد والإطراء والثناء على سيد قطب، منذ عام 1947م (بداية العلاقة بين الرجلين)، وحتى وفاة الغزالي عام 1996م؛ إذ يعتبره صاحب فضل كبير عليه، ولولاه لما عرفه الناس. يقول الغزالي: «لم أجد مَن كتب عني بحفاوة، وقدمني للقراء بإخلاص إلا الأستاذ سيد قطب رحمة الله عليه…»، وفقًا لما ذكره الدكتور محمد عمارة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، في 28 مايو 2013 م.

محمد عمارة، يؤكد أيضًا أن «الغزالي»، هو من دعا «قطب»، إلى الانضمام لجماعة الإخوان، وقد وثق هذا الأمر بنقله قول الغزالي: «في عام 1950م تقريبًا، وكنت صديقًا للأستاذ الكبير سيد قطب – رحمه الله – عرضت عليه أن ينضم إلى جماعة الإخوان، فقال لي: الأفضل أن أكون بعيدًا».

الدور الذي لعبه الغزالي، في خدمة الإخوان منذ انضمامه للجماعة عام 1937 وحتى وفاته عام 1996 م، يجعلنا نؤكد أننا أمام كادر إخواني استغل عمامة الأزهر في لعب دور محوري أبقى من خلاله الجماعة على قيد الحياة حتى يومنا هذا من جانب، ومن جانب آخر استغل العمامة ذاتها إضافة إلى توليه مسؤولية الدعوة بوزارة الأوقاف – وقت أن كان أحمد حسن الباقوري قابعًا على رأس الوزارة (1952 – 1959) – في تمكين الجماعة من اختراق مؤسسة الأزهر الشريف، وهو الدور الذي سنكشف عنه بالتفصيل في الحلقة المقبلة.

وسنكشف أيضًا عن أمر آخر أكثر أهمية، وهو حقيقة انفصال الغزالي عن جماعة الإخوان من عدمه، خاصة أننا أمام جماعة تؤمن بـ”التقية” وتتخذها أصلًا من أصول الإيمان الذي تلقنه لأعضائها، كما أن الفكر الإخواني منغلق، وإذا احتل أي عقل يكون من الصعب – إن لم يكن مستحيلًا – تحريره منه، وهذا بالنسبة للأعضاء العاديين؛ فكيف بالغزالي وهو، واحد من رعيل الجماعة الأول، وأحد المقربين من حسن البنا، وأخذ يتدرج في التنظيم حتى وصل إلى عضوية مكتب الإرشاد، وكان طامعًا في تولي منصب المرشد، ومنذ انضمامه للجماعة وحتى وفاته لم يُضبط متلبسًا في كتاباته أو ندواته بتوجيه أي نقد للإخوان.

وللحديث بقية..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار