د . زهدى الشامى يكتب..استصلاح الأراضى بين الوهم والحقيقة 

اتابع مثل غيرى من المصريين الإعلانات شبه اليومية عن افتتاحات ومسار العمل فى مشروعات زراعية عملاقة للتوسع فى الرقعة الزراعية ، وهى إن صحت جميعها فهى تسعدنا بالتأكيد ، ولكن خبرتى خلال أكثر من أربعين عاما من العمل فى مجال الاقتصاد والسياسة تدعونى للتوقف والتدقيق فى الأمر .
وتعود بى الذاكرة لتسعينيات القرن الماضى عندما كان الدكتور الجنزورى رئيسا للوزراء ، وأعلن وقتها عن مشروع توشكى العملاق للتوسع فى الزراعة . وكنت قد شرفت وقتها بالمشاركة فى اللجنة الاقتصادية التى ضمت عمالقة منهم أستاذنا الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله ، وهو على علاقة طيبة الجنزورى وكان رئيسه سواءا كوزير للتخطيط أو رئيس لمعهد التخطيط القومى ، وأستاذنا الدكتور إبراهيم سعد الدين . ويومها قالا وقلنا معهما إننا نسعد بالمشروعات القومية الكبرى ونريد أن ندعمها ونؤيدها ، ولكن من أجل ذلك لابد أن تطلعونا أولا على الدراسات الاقتصادية للمشروع ، لكى نؤيده عن اقتناع . وفى الواقع لم يطلعونا على شئ ، وكل ماكان تحت يد بيروقراطية الدولة الرثة فى مصر هو بعض الدراسات الجيولوجية عن التربة فى المكان تعود لزمن بناء السد العالى . ونتيجة الشروع فى مثل هذا المشروع بدون دراسة اقتصادية معروفة للجميع : انفاق حوالى ١٠ مليار جنيه ( بأسعار ذلك الزمن ) ، كانت فى الحقيقة بداية تفاقم مشكلة الدين الحكومى الداخلى الضخم ، فى حين لم يتم استصلاح أكثر من ١٠ آلاف فدان . تلك هى المشكلة . مشروعات بلادراسة اقتصادية ، تعنى تعثرا ومديونية وليس نجاحا وتنمية . والغريب أن هذا هو الأسلوب الذى مازال متبعا ، وان مشروع توشكى المكلف للغاية والذى ينفذ فى أجواء حارة للغاية صعبة ومستنفذة المياه يبعث للحياة من جديد وسط هوجة من مشروعات كثيرة .
من متابعة مانسمعه حاليا كل يوم نتوقع أن الدولة تسستصلح ملايين كثيرة من الأفدنة حاولت حصرها فلم أستطع ، لكنها حتى تتجاوز رقم ٤ مليون فدان بكثير : توشكى ١.٥ مليون ، الدلتا الجديدة ٢.٢ مليون ، جنوب الوادى ٤٥٠ ألف، سيناء ٥٠٠ ألف، المنيا ٤٥٠ ألف ، وخلافه . هذا غير مشروع المليون ونصف فدان ، وهو اختزال لخطة الأربعة مليون فدان التى لم ينفذ فى الواقع أي منهما . فهل هذا ممكن ؟ ومالحقيقة فى هذا كله؟
المساحة الزراعية فى مصر وفقا لآخر بيانات وآخر تصريحات لوزير الزراعة أثناء افتتاح موسم حصاد القمح فى توشكى تصل إلى ٩.٧ مليون فدان فى عام ٢٠٢٢ ، وفى عام ٢٠١٤ كانت المساحة الزراعية تعادل ٨.٩ مليون فدان . وبعبارة أخرى فالزيادة الفعلية فى المساحة المزروعة خلال ثمانى سنوات هى ٨٠٠ ألف فدان على سبيل الحصر ، بمعدل ١٠٠ ألف فدان سنويا ، وهو قريب بالفعل من لأرقام المعلنة من وزارة الزراعة عن التنفيذ الفعلى لاستصلاح الأراضى فى مصر وإذا وضعنا فى الاعتبار أن عدد سكان مصر تزايد بين هذين العامين من حوالى ٨٥ مليون شخص إلى حوالى ١٠٢ مليون ، فإن متوسط نصيب الفرد من الأراضى المزروعة قد انخفض بالتالى من ٠.١٠٤ فدان إلى ٠.٠٩٥ فدان فقط . فأين هذا من حديث استصلاح الملايين الكثيرة من الأفدنة الذى عادوا إليه بعد الإخفاق فى الوفاء بوعود الأربعة ملايين فدان ثم المليون ونصف ؟
من نوافل القول أنه فى ظل غياب دراسات اقتصادية ودراسات جدوى لكل تلك المشروعات لتحديد صلاحيتها وأولوياتها ، فإن تكاليف الاستصلاح تتزايد للغاية مع اختلافات بين المشروعات، وعموما تصل إلى ٦٠٠ مليار جنيه ، وهو رقم مرتفع للغاية خاصة فى ظل الشكوك الكبيرة التى تحدثنا عنها حول النتائج الفعلية .
نريد تنمية بدراسات علمية وإنجاز فعلى ، وليس دعاية يومية ومشروعات بلا دراسات اقتصادية جادة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار