ياسين احمد يكتب..إستراتيجية التنمية الإقتصادية بالإعتماد على الذات

 

 

يتضمن مفهوم الاعتماد على الذات ضرورة تعبئة الموارد المحلية المتاحة والاحتمالية بأعلى درجة من الكفاية واستخدامها على نحو رشيد وفعال باعتبارها الأساس الراسخ لبناء التنمية المعتمدة على الذات ، دون أن ينفى هذا المفهوم للاعتماد على الذات إمكانية اللجؤ إلى مصادرالمعونة الخارجية سواء كانت مالية أو فنية أو إدارية ، طالما كانت نافعة ومجدية من الناحية الاقتصادية مع مرعاة ترشيد اللجؤ إليها مان وأن يكون في أضيق الحدود والآجال . وقد تم إقرار إستراتيجية التنمية بالاعتماد على الذات في إطار منظمة الأمم المتحدة منذ سنة 1963 للأخذ بهذه الاستراتيجية للتوجه نحوالسوق المحلية للبلد النامي والتقليل من الاعتماد على الدول المصنعة بالاستخدام العقلاني للموارد الطبيعية المتاحة للدولة المعنية عن طريق إنشاء صناعة إستخراجية وطنية تقوم بتصنيع المواد الأولية بقدر الإمكان ويخصص جزء منها للتصدير والاعتماد على الدراسات التكنولوجية لإحلال المواد المتاحة محليا في التصنيع محل المواد المستوردة ، ونتيجة لذلك ستدخر الدولة المعنية رؤوس الأموال ، باعتبار أن تكلفة الصناعات التي يتم إقامتها إستنادا لهذه الإستراتيجية أقل بكثير من تلك التي تلزم لإقامة المجمعات الصناعية الكبرى ذات التكنولوجيا المعقدة والمعدات الباهظة الثمن ، والتي غالبا ما تعجز الدول النامية عن تشغيلها بكفاءة عالية نظرا لظروف كثيرة ، وكذا عجزها عن تصريف منتجاتها بالثمن المطلوب ، بالإضافة إلى زيادة إعتمادها من ناحية التكنولوجية على الشركات المتعددة الجنسيات ، حيث إذا سلكت البلدان النامية سياسة حكيمة في توزيع الدخل بعدالة والتخلص من عادات الاستهلاك المبالغ فيه وزيادة العمالة المنتجة.
تزيد طاقة المجتمع عن الادخار ، مما يمكنه من الاعتماد المتزايد على مواردها المالية الذاتية ، فإستراتيجية التنمية بالاعتماد على الذات هذه تعني أيضا الاستفادة الكاملة من القوى البشرية المحلية ، وهذا بدوره يتطلب توفير التعليم والقضاء على الأمية وتدعيم التعليم الفني والتدريب المهني ، مع الاهتمام بالرعاية الصحية ، كما يتطلب تنمية الخبرات المحلية والاعتماد عليها بشكل أساسي ، فحجر الزاوية ضمن هذه الإستراتيجية هو خلق تكنولوجيا محلية باختيار تصنيع ملائم يعتمد على السوق المحليةوهوما يستدعي إبداع تكنولوجيا ملائمة تأخذ بعين الاعتبار توافر اليد العاملة ، مع التقليل من استخدام رأس المال ، وكذلك تبسيط العملية الإنتاجية وتخفيض تكلفة الإنتاج وتكون المنتجات في متناول محدودي الدخل ، هذا بالإضافة إلى الاهتمام التي يجب أن تحضى بها القطاعات الأخرى مثل الزراعة لتوفير الغداء الذي بدونه لايمكن ضمان الاستقلال الاقتصادي ، وعليه فإن التصنيع على أساس التوجه الداخلي والاعتماد على الذات سيمكن من قيام قطاع صناعي قوي وفعال يقوم على إنتاج السلع الاستهلاكية والوسيطية والإنتاجية جنبا إلى جنبا ليس انطلاقا من توازنات مثالية ، ولكن انطلاقا من الاحتياجات الأساسية للسكان .
ولا يعني ذلك أنه سيتم إنتاج كل أنواع المنتجات الصناعية ، بل أن الأمر لابد وأن يخضع لحسابات دقيقة وتحليلات تأخذ في اعتبارها موارد وإمكانيات المجتمع الحالية والاحتمالية . وبذلك فمن المتصور أن يتم استيراد جانب ملموس من السلع الوسيطية والإنتاجية ، بل والسلع الاستهلاكية خاصة على مدار السنوات الأولى من تطبيق الإستراتيجية ، إلا أن ذلك سيتم في إطارا لاحتياجات الفعلية طبقا للأهداف والسياسات المحددة ، كما أن الأمر سيتطلب من الناحية الأخرى الاهتمام بالتصدير ، خاصة الصادرات الصناعية ، بحيث تغطي قيمتها على الأقل قيمة الواردات السلعية وتكلفة التكنولوجيا التي يتبين ضرورة الحصول عليها من الخارج .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار