مجدى عبد الحميد يكتب.. ما الذي تبقي من حلول نقدية لأزمة مصر الاقتصادية ؟

الحكومة المصرية تدعم الطبقة الوسطي لعام قادم وتحميها من السقوط الكامل وتحمي نفسها أو تؤجل انهيار وشيك وانفجارات باتت قريبة.

٢٢،٥ ٪؜ فائدة سنوية تصرف شهرياً أو ٢٥ ٪؜ تصرف مرة واحدة بنهاية العام، هي الوسيلة المالية التي تفتقت عنها قريحة عباقرة الاقتصاد المسؤولين عن وضع وتطبيق السياسات الاقتصادية والمالية في مصر، لتجميع وسحب السيولة المتبقية لدي الطبقة الوسطي المصرية عبر شهادت أطلقها بنكي مصر والاهلي فقط دون غيرهما من البنوك، بتعليمات من البنك المركزي المصري، ولتحفيز من لديهم عملات أخري، عبر ذلك الاغراء الكبير، لتحويل مدخراتهم، وخاصة الدولارية، الي شهادات بالجنيه المصري، علي أمل توفير احتياجات الدولة من العملة الأجنبية لحل بعض المشكلات العاجلة والتي اصبحت مستعصية في الآونة الاخيرة، ما أربك، حد الإعاقة عمليات الاستيراد، وخاصة استيراد سلع غذائية اساسية وسلع وسيطة تدخل في العمليات الانتاجية المختلفة.

لقد نجحت خطوة المعالجة النقدية هذه المرة ايضاً في تسكين عدد من الازمات في آن واحد، أو هكذا يبدو الأمر !!!
ان اهم ما فعلته تلك المعالجة هو انها قدمت دعماً مباشراً لقطاعات واسعة من ابناء الطبقة الوسطي المصرية لحمايتهم من السقوط المروع الناتج عن التعويم الأخير للجنيه المصري أمام الدولار، ما أدي لكشف قوته الحقيقية والانخفاض الحاد في قيمته والتآكل الملحوظ لقدرته الشرائية، كنتيجة طبيعية متوقعة بسبب هشاشة الوضع الاقتصادي وضعف الانتاجية المتزايد.
كما ساهمت مع بعض الاجراءات الاخري في تدبير قدر محدود من العملات الصعبة التي ساهمت جزئياً في تحريك السوق وتسهيل استيراد بعض السلع ومستلزمات الانتاج الضرورية.
وفرملت الي حين التدهور المتسارع للجنيه امام الدولار.
ويبقي السؤال قائم ماذا بعد نهاية عام بدأ عده التنازلي منذ شهر تقريباً ولم يتبق علي نهايته سوي ١١ شهر، هي كل عمر شهادات ال ٢٢،٥ ٪؜ و ال ٢٥ ٪؜ ؟؟؟

لقد وافق الجميع وقبلوا مبدأ الدعم أو الرشوة المؤقتة دون ان يسألوا من الذي سيسدد فاتورة ذلك الدعم ؟ ولا كيف سيصبح الوضع بعد عام من الآن ؟ هل ستتمكن الحكومة من الاستمرار لعام جديد ؟ ومن اين ستأتي بالأموال للوفاء بها ؟
أم تري ستترك مئات الالاف من الاسر التي تعيل الملايين، وتعيش حرفيا علي فوائد تلك الشهادات في مهب الريح ليلقوا مصيرهم المحتوم، وهو انخفاض دخلهم الفعلي ربما الي اقل من ٢٥ ٪؜ من قيمته الحالية وفقا للمسار الجاري، وخراب البيوت وما يستتبعه ذلك من اثار مجتمعية مدمرة ؟

أعلم ان الازمة الاقتصادية تطال الجميع، ولن ينجو احد من براثنها، ومع ذلك اتحدث عن قسم كبير من الشعب المصري، كمثال فقط، استطيع ان اري مصيره المظلم بعيني من الان ما لم ينتبه السادة المسؤولين عن ادارة شؤون البلد الي الكارثة القادمة، بالشروع فوراً في اتخاذ حزمة من التدابير التي يمكن ان نتفادي بها الانهيار الكامل ونضع اقدامنا علي بداية طريق تجاوز الازمة المحدقة وتصحيح المسار، تلك التدابير التي يمكن ايجازها في الاتي :

اولا : ان تتبني قيادة الدولة في مصر علي وجه السرعة، سياسات اقتصادية جديدة، هي في جوهرها تغيير جذري لمجمل السياسات الاقتصادية المتبعة منذ اكثر من سبع سنوات تقريباً حتي الآن، الي سياسات تعتمد علي اعاده هيكله البنيه الاقتصاديه للدوله بما يجعلها تقوم اساسا على القطاعات الانتاجيه فى الصناعه والزراعه والتصنيع السياحى وتعبئه كافه الموارد اللازمه لتحقيق ذلك الهدف وبما يوفر فرص عمل حقيقيه للشباب، ويؤدي الي تحقيق نمو اقتصادي حقيقي والذي يمكن قياسه بحجم الزيادة في الناتج المحلي الاجمالي، حيث يمثل الزيادة في إنتاج السلع والخدمات الاقتصادية من صناعة، زراعة، سياحة، انتاج المعرفة، وقطاع الخدمات، خلال فترة زمنية محددة المدة التعبير الدقيق عن ذلك النمو، وهو ما تصبو اليه أي سياسة اقتصادية رشيدة.

ثانياً : جذب الاستثمارات المالية التي تشكل اضافة لمكونات العمليات الانتاجية في جميع مجالات التصنيع، والزراعة والسياحة … وليس الاموال التي تأتي مقابل رهن أصول انتاجية قائمة ولا تشكل اي اضافة حقيقية لمكونات الاقتصاد المصري، والاخطر ان السياسات الحالية للحكومة لا تقوم علي اساس استخدام تلك الاموال والقروض في خلق فرص عمل جديدة وحقيقية ولها صفة الدوام، ولا في زيادة قدراتنا الانتاجية علي المدي المتوسط والمدي البعيد، وحتي ان فعلت ذلك في بعض المشاريع فهي تقدم نسبة ضئيلة جدا من الاموال والاستثمارات ( ان جاز تسميتها استثمارات ) لتلك الاغراض، بينما يذهب القدر الاكبر لسد نفقات جارية، وسداد اقساط الديون وفوائدها، واقامة مشاريع خدمية اقل ما يقال عنها هو انها ليست ضرورية في الوقت الراهن علي الاقل، اذا ما قورنت باحتياجات اخري اساسية تؤدي لزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتختار مجالاته.

ثالثاً : تشجيع وتمكين القطاع الخاص المصري من المشاركة في عملية اعادة بناء الاقتصاد المصري فهو الاقدر في المرحلة الحالية علي جذب الشركاء الحقيقيين لاقامة مشاريع اقتصادية كبري، شريطة ان تتوفر الرؤية والامان والاستقرار الذي يمكنه من لعب ذلك الدور، والتي من بينها تشريعات حمائية واضحة وضمانات وتسهيلات كبري لاصحاب المشاريع الانتاجية.

رابعاً : توفير البيئة السياسية والتشريعية المواتية واللازمة لحدوث ذلك والتي بدونها يتحول حديثنا عن تجاوز ازمتنا الحالية الي مجرد لغو، لا فائدة له ولا طائل من وراءه.
ففي السياسة : اطلاق حرية التعبير، والتنظيم، واجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتعديل كل ما هو قائم حالياً ومتعارض مع تلك الحقائق الثلاث.
وفي التشريع : اصلاح كامل منظومة التشريعات بما يحمي حقوق المواطنين كافة، وحقوق العاملين المتوازنة مع حقوق رجال المال والاعمال، وحقوق الوطن من الفاسدين والمفسدين وتطبيق العدالة ونفاذ احكام القانون علي الجميع دون استثناءات.

مجدي عبد الحميد
٢٨ / ١ / ٢٠٢٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار