نجاح بولس يكتب : أزمة سد النهضة .. على من تقع المسئولية ؟؟
مشكلة كبيرة يصل توصيفها للكارثة مرتبطة إرتباط وثيق بالأمن القومي المصري ومستقبل التنمية في البلاد، لا يصلح معها إلقاء اللوم على طرف دون الأخر ، فالكارثة بدأت بالفعل في أبريل ٢٠١١ عقب ثورة يناير بأسابيع قليلة ، وكان كل طرف وقتها مشغول بحصته ونصيبه في تركة مبارك والحزب الوطني ، حتى أولئك المترفعون وأصحاب النوايا الحسنة لم يكن لديهم رفاهية النظر في القضايا الخارجية ، فتقلبات الداخل كانت الحدث الأهم والأجدر بالإهتمام .
جميعنا مخطئون ويقع علينا اللوم في عدم الإنتباه للكارثة وجميعنا أيضاً مسئولون عن إيجاد حلول للأزمة ، لم يكن للبلاد وقتذاك قائد أو حزب حاكم ينظر إلى الأمر بعين المسئولية ، ومن هم منوطين بملف المياه والمسئولين عن إدارته في الوزارات المختلفة لم يكن لديهم أي سلطات ، ولا يمتلكوا أي أدوات للضغط على الجانب الإثيوبي ، بل لم يكن لديهم أي تفويض لإدارة الملف دبلوماسياً في ظل وضع داخلي متخبط ومرحلة إنتقالية تفتقد لآليات صناعة القرار سواء مركزياً أو لا مركزياً .
لم يكن للمجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال الفترة الإنتقالية القدرة الكاملة للتصدي لدولة أفريقية مدعومة من عدة دول أخرى ، بينما تتمزق مصر من الداخل ما بين الإستقطاب السياسي والطائفي والمذهبي والفئوي ، وحتى لو كانت لديه الإمكانات العسكرية لم يكن لديه قوة الردع الكافية للتأثير في محيطه الإقليمي وتغيير مساره بينما يحاول جاهداً منع تدخلات خارجية للعبث بالمسار الديمقراطي المصري .
حتى الأخوان وتيار الإسلام السياسي لم يكن لديهم الخبرة السياسية للتصدي لهذا الملف الشائك ، بل ولم يكن الصالح الوطني ضمن أولوياتهم من الأساس ، فضلاً عن تبعيتهم المفرطة لتركيا وقطر أصحاب المصلحة والداعمين الأصليين لسد النهضة الإثيوبي جنباً إلى جنب مع الكيان الصهيوني ، وحينما أرادوا الإهتمام بالملف كانت فضيحة الإجتماع المذاع على الهواء مباشراً كاشفة لفشلهم في إدارته .
وبطبيعة الحال لم يكن أمام الإدارة بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ سوى الحل السياسي والدبلوماسي لخلخلة الأزمة بعد قيام إثيوبيا ببناء جزء كبير من السد ، فلجأت الحكومة المصرية إلى مبادرات لا تستند على آليات قوية للضغط أو تغيير المسار سوى تعهدات شخصية ليس لها إعتبارات تذكر في عالم السياسة والتفاوض .
المشكلة معقدة وتحتاج تكاتف الجميع لحلها ، والحل لا يقف فقط عند القيادة السياسية أو الحكومة ، فالضغط الشعبي له دور في بعض الأزمات المماثلة ، ولا بد من إستحداث أوراق ضغط جديدة تخدم المفاوضات وخصوصاً أن الأزمة لا تتمحور حول فكرة بناء السد بقدر ما تتعلق بطريقة ملئ الخزان خلفه والفترة الزمنية المحددة لذلك وهي أمور يمكن التفاوض بشأنها :
هناك مصالح اقتصادية لدول داعمة لسد النهضة أو لها تأثير على القرار الإثيوبي قد تتأثر في حالة إجماع الشعب المصري والشعوب المساندة له على المقاطعة الإقتصادية ، ولو أمكن تحييد دور تلك الدول سيقود بدوره إلى بداية الحل الفعلي للمشكلة .
الجاليات المصرية حول العالم وخاصاً في أوروبا وأمريكا يمكنها القيام بأدوار فعالة في الضغط نحو إدانة المواقف أحادية الجانب من قبل إثيوبيا حول ملف مشترك ويمس مستقبل العديد من الدول ، من خلال عدة آليات سواء بخلق قنوات إتصال مع مسئولين بحكومات الدول المستضيفة أو بتنظيم مسيرات سلمية أمام السفارات الإثيوبية لنقل نبض الشارع المصري الغاضب من تهديد شريان الحياة بالنسبة له .
التلويح بتدويل القضية واللجوء لمجلس الأمن وهذا يستدعي تحركات دبلوماسية رفيعة المستوى ومضمونة النتائج لإقناع الدول الأعضاء بمجلس الأمن لتبني وجهة النظر المصرية وعدالة مطالبها حسب مبادئ القوانين الدولية التي تمنع بناء أي منشأة تؤدي لتأخير وصول المياه أو إنقاصها من دون موافقة دولة المصب ، وهذا بالطبع يستلزم التنسيق أيضاً مع الإتحاد الأفريقي لضمان دعم الدول الأعضاء أو على الأقل تحييد موقفها .
ولعل حصول رئيس الوزراء الإثيوبي على جائزة نوبل للسلام قد يدفع في إتجاه خلخلة الموقف المتصلب لدى حكومته للوصول إلى حلول مرضية لجميع الأطراف ، الجائزة الدولية ليست إمتياز بقدر ما هي مسئولية على عاتق الجانب الإثيوبي سيسعى قياداتها وعلى رأسهم رئيس الوزراء لتصدير صورة للمجتمع الدولي بجدارته وجدارة حكومته للجائزة الأرفع في مجال السلام الدولي .. وعلينا إستغلال تلك المناسبة لتصفية الأجواء المتوترة وإعادة الملف مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات بوجود وسطاء دوليين محايدين ، بعيداً عن الخطابات التعبوية والتلويح بالخيارات العسكرية لانها ستزيد الأمور تعقيداً دون أدنى فائدة ..
الحلول كثيرة ومتعددة فقط تحتاج لتكاتف وعمل جماعي وتنسيق الجهود على كل المستويات بالداخل والخارج ، وبغض النظر عن نتائج التحركات لا بد من إيجاد مصادر مائية بديلة ليكون نهر النيل إحدى المصادر وليس المصدر الوحيد ، حتى نتجنب أزمات مماثلة للأجيال القادمة .