د. محمد حسين يكتب..قرار محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني (الدلالات والنتائج)

أصدرت محكمة العدل الدولية International Court of Justice” ” في 26 يناير الجاري قرارًا ابتدائياً طارئًا ضد الكيان الصهيوني في الدعوى القضائية التي أقامتها دولة جنوب إفريقيا تتهم هذ الكيان بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1946.
يتضمن القرار: اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، Genocide ، ضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، منع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، اتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، عدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها، تقديم تقرير للمحكمة خلال شهر بمدى تطبيقها لهذه التدابير والأحكام.

والحقيقة أنه رغم عدم إصدار المحكمة أمرًا بوقف إطلاق النار إلا أن القرار يعد حكمًا تاريخيًا وانتصارًا للعدالة الدولية من ناحية ويتطلب ضمنًا وقف إطلاق النار من ناحية أخرى، للآتي: –
أولًا: بدايةً – لضبط المصطلحات – نحن أمام قرار قضائي وليس حكم كما يتردد في وسائل الإعلام، لكنه قرار له كافة مقومات الحكم القضائي من الناحية الموضوعية من حيث الإلزام والنهائية.
ثانيًا: نحن أمام قرار قضائي صادر من الجهاز القضائي للامم المتحدة نهائي فأحكام المحكمة نهائية وفقًا للمادة 60 من النظام الساسي للمحكمة، و ملزم باعتبار أن المحكمة تستمد ولاياتها هنا من نص المادة 36/ 1 من نظامها الأساسي التي قضت بأن: بشمول ولايتها جميع المسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق “الأمم المتحدة” أو في المعاهدات والاتفاقات المعمول بها، واختصاص المحكمة هنا قد تقرر بنص المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1946، ناهينا عن إعلان هذا الكيان قبوله لاختصاص المحكمة.
ثانيًا: يُشكل سابقة تاريخية ضد الكيان الصهيوني، إذ دَحض ادعاءات هذا الكيان بعدم اختصاص المحكمة، وأنه في حالة دفاع شرعي عن نفسه، بما مؤداه أن المحكمة انتصرت لشرعية مقاومة الاحتلال وأنه لا دفاع شرعي لمحتل غاصب ضد مقاومة وطنية. وانتصرت لاختصاصها المستمد من المادة التاسعة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. فضلًا عن تقريره أن الشعب الفلسطيني في غزة محمي بموجب هذه الاتفاقية.
ثالثًا: وصمة عار سوف تلاحق هذا الكيان إلى الأبد إذ يحمل طابع إدانته، باعتبار أنه بمفهوم المخالفة فإن إلزامه باتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، وضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، ومنع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، يعني ببساطة شديدة بحكم اللزوم المنطقي أنه ثبت للمحكمة أن هناك أعمال من جانب الجيش الإسرائيلي في غزة تُشكل إبادة جماعية، وفقًا للتوصيف القانوني لهذه الجريمة بالمادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وما تتطلبه من قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه، باعتبار أن حالة هذا النزاع تفترض توافر هذا الركن المعنوي للجريمة كوننا أمام احتلال استيطاني عنصري، وقد أفصح عن هذه النية والقصد قادة إسرائيل أنفسهم، فضلًا عن حجم القتلى الفلسطينيين وعمليات القتل الممنهج تقطع بذلك. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن هذه الالتزامات تعني وقف العدوان الإسرائيلي المسلح على المدنيين في غزة، كوننا أمام جريمة إبادة جماعية مكتملت الأركان.
رابعًا: إلزام الكيان الصهيوني باتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، أمر في غاية الأهمية، وهذا كانا مطلب فلسطيني وعربي واسلامي وحقوقي على مستوى العالم، ومن ثم فيحق للحكومات الإسلامية والعربية كسر الحصار على الفلسطينيين في غزة، بالطبع كان من حقهم قبل ذلك إعمالًا لاتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولمصلحة الإنسانية بحماية الفلسطينيين من جرائم الإبادة التي يرتكبها هذا الكيان.
خامسًا: القرار صدر إعمالًا للمادة 41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية التي أعطت الحق للمحكمة في تحديد «التدابير المؤقتة التي يتعين اتخاذها لضمان حقوق كل طرف»، مع الإبلاغ الفوري بالتدابير المقترحة إلى الأطراف ومجلس الأمن في انتظار الحكم النهائي. وبالتالي فإن مجلس الأمن تم إبلاغه بهذه التدابير، ونعتقد أنه من الصعب أن تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو في هذا الشأن لأنها بذلك تعلن تواطئها مع هذا الكيان، فضلًا عن أنها لن تتحمل مغبة الرأي العام الأمريكي والدولي ذا الصلة. وحتى حال استخدامها حق الفيتو فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة سوف تتدخل ‘عمالًا إلى قرارها رقم 377 بشأن الاتحاد من أجل السلام، الذي يقضي بأن: في أية حالة يخفق فيها مجلس الأمن، بسبب عدم توفر الإجماع بين أعضائه الخمسة دائمي العضوية، في التصرف كما هو مطلوب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، يمكن للجمعية العامة أن تبحث المسألة بسرعة وقد تصدر أي توصيات تراها ضرورية. كما حدث إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 المعروفة في الكتابات الغربية ” Suez War” ومن الوارد أن توصي الدول باتخاذ تدابير دبلوماسية وعقوبات اقتصادية قد تجعل إسرائيل في عزلة دولية.
سادسًا: من الناحية السياسية هذا القرار له قيمة سياسية وأدبية كبيرة كونه صادر من أعلى محكمة دولية، قام بتعرية الكيان الصهيوني على مستوى العالم‘ وفضح جرائمه في حق الشعب الفلسطيني مما من شأنه التأثير في الدعم الغربي لهذا الكيان باعتبار أن الشعوب حاضرة في المعادلة السياسية في هذه الدول وتحسب له الحكومات ألف حساب. دليل ذلك أن الاتحاد الأوربي رحب بقرار المحكمة ودعى لتنفيذه، ألمانيا أعلنت احترامها لقرار المحكمة. نال من فكرة تأثير هذا الكيان على المحافل الدولية سيما المنظمات الدولية، والمحاكم الدولية.
الخلاصة نحن أمام قرار قضائي يفرض التزامات قانونية دولية على الكيان الصهيوني ليس من السهل التنصل منها.
تحية لجنوب إفريقيا، تحية لمحكمة العدل الدولية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار