د. أحمد جبيلى يكتب: الضريبة الموحدة وتعزيز بيئة الاستثمار العقارية

في إطار مساعي الدولة المصرية لتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات، جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي باستبدال الرسوم المتعددة بضريبة موحدة على صافي أرباح الشركات كخطوة جريئة تُعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمستثمر. هذه الخطوة لا تُقلل الأعباء البيروقراطية فحسب، بل تُرسي قواعد العدالة الضريبية وتُعزز ثقة القطاع الخاص، خاصة في مجال العقارات، الذي يُعد ركيزةً للاقتصاد المصري. فكيف تؤثر هذه السياسة على البيئة الاستثمارية؟ وما دور البرلمان في ضمان نجاحها؟
توحيد الضرائب والرسوم في ضريبة واحدة يُقلل التكاليف التشغيلية للشركات، ويُحسّن التخطيط المالي طويل الأمد، خاصةً في القطاع العقاري الذي يعتمد على استثمارات ضخمة ومخاطر مالية مرتفعة. فبدلًا من تعدد الجهات المحصلة للرسوم (مثل رسوم التراخيص والدمغة)، سيتم احتساب ضريبة واضحة على صافي الأرباح، مما يُتيح للمستثمرين العقاريين توجيه مواردهم نحو التطوير والابتكار بدلًا من التعامل مع تعقيدات بيروقراطية كما أن تبسيط الإجراءات سيدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في القطاع العقاري، التي كانت تُعاني سابقًا من ارتفاع التكاليف غير المباشرة، مما يُسهم في زيادة الإنتاجية وتوسيع قاعدة الاستثمار المحلي والأجنبي.
مصر بيئة جاذبة للاستثمار بفضل موقعها الاستراتيجي والمشروعات القومية العملاقة، لكن التحدي الأكبر كان يتمثل في التعقيدات الضريبية. وفقًا لتقرير مركز المعلومات ودعم القرار، نجحت مصر في جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 46 مليار دولار عام 2024، بفضل إصلاحات مثل الرخصة الذهبية وحل المنازعات الضريبية. والضريبة الموحدة ستُضيف زخمًا جديدًا لهذه الإنجازات عبر تحسين التصنيف العالمي من خلال تبسيط الإجراءات، تتقدم مصر في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، مما يجعلها منافسًا قويًّا في المنطقة وأيضا جذب الاستثمار الأجنبي وخاصة أن المستثمرون الدوليون يبحثون عن الشفافية والاستقرار التشريعي، وهما ما تُحققه الضريبة الموحدة بجانب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص كخطوة نحو تمكين القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو.
ويُشكل القطاع العقاري نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ومع تطبيق الضريبة الموحدة، من المتوقع خفض تكاليف التأسيس عبر إلغاء الرسوم المتكررة مثل رسوم الفواتير الإلكترونية ورسوم التراخيص وتشجيع الاستثمار في المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين، عبر توفير حوافز ضريبية واضحة وزيادة الطلب على الوحدات السكنية نتيجة تحسين بيئة الأعمال وجذب شركات دولية تعمل في مصر.
نجاح الضريبة الموحدة يتطلب إطارًا تشريعيًّا متكاملًا، وهو ما يضع البرلمان أمام مسؤولية تاريخية بإصدار قانون شامل يتضمن آليات مرنة لاحتساب الضريبة، مع مراعاة الفروق بين القطاعات، خاصة العقارية ومراقبة التطبيق عبر تشكيل لجان متخصصة لمتابعة تنفيذ اللوائح التنفيذية ومنع التهرب الضريبي وحماية الشركات الصغيرةعبر إدراج إعفاءات أو نسب مخفضة للضريبة لضمان عدم إرهاقها.
رغم الإيجابيات، هناك تحديات تحتاج لمعالجة التهرب الضريبي حيث يتطلب تعزيز الرقابة الإلكترونية، وتفاوت الأثر بين الشركات يحتاج لتعديلات تشريعية تراعي طبيعة كل قطاع والحفاظ على الإيرادات الحكومية عبر تصميم نظام ضريبي مرن لا يُثقِل كاهل الخزانة العامة.
توجيهات الرئيس السيسي بالضريبة الموحدة ليست مجرد إصلاح ضريبي، بل نقلة استراتيجية تُعيد مصر إلى خريطة الاستثمار العالمية. وعلى البرلمان والحكومة التعاون لتحويل هذه الرؤية إلى واقع، عبر تشريعات عادلة وتنفيذ دقيق، مما يُعزز مكانة مصر كـ “بوابة الاستثمار” الإقليمية، ويدعم رؤية 2030 لتحقيق تنمية مستدامة.