حسام خضرا يكتب: هل يجوز لميليشيا مسلحة أن تتنحى عن الحكم..؟

خرجت حماس من طورها تنظيماً عسكرياً دينياً ذو نزعة تحررية بعد أن أثبتت الحرب الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة عدم قدرتها على المواجهة على الصعيدين العسكري والسياسي، فعسكرياً تحول عناصرها إلى يد تبطش بالفلسطينيين الرافضين لاستمرار حكم بقايا الحركة للقطاع، حتى باتوا عبئاً ووزراً بسلاحهم الذي خصصوه للقمع الداخلي والاستعراضات الفارغة المضمون الموجهة لقاعدتهم الشعبية في الخارج لكسب المزيد من التعاطف المادي والمعنوي، أما سياسياً فقد أثبت من تبقى من قيادة الحركة أنهم غير جديرون بالثقة وغير مؤهلين للعب دور سياسي حقيقي بعد أن وضعوا القضية الفلسطينية في مصاف القضايا المعقدة دولياً.
ولنلقِ نظرة على تحالفات الحركة ومجاميعها في الفيلم الدموي الذي بدأ يوم السابع من أكتوبر، لنرى الحوثي وجماعته والذي قرر الدخول إلى خط المواجهة المباشرة مع العالم أجمع وليس مع إسرائيل في الوقت الذي يموت فيه أطفال اليمن جوعاً. وكان الأولى لهم صب اهتمامهم على بلادهم التي ضرب الجوع أركانها لكن الصبغة الدينية التي حرفوها لمصلحتهم منعتهم من ذلك. ولنلقِ نظرة أخرى على حزب الله الذي بات كأسد هرم تقذفه قرود الغابة بحبات الجوز دون أن يحرك ساكناً حتى صار عبئاً على لبنان وسكانه، لكنه في الوقت ذاته يهدد بحرب أهلية في حال المساس بسلاحه على الرغم من وجود جيش منظم داخل الدولة، غير أن من اعتاد العيش داخل الكهوف المظلمة لا تتماشى معه حياة الحضارة والجلوس على طاولة واحدة بين الأسوياء.
ولست هنا بصدد الحديث عن إيران أيضاً، فهي دولة يعلم الله وحده بحالها وحال مواطنيها والفقر الذي ينهشهم، لكن سؤالي هو، كيف لدولة أن تحلم بسلاح الدمار الشامل رغم علمها المسبق أن إسرائيل وأمريكا تلعبان وترتعان داخلها أكثر من المرشد الأعلى نفسه، ولنا في اغتيال إسماعيل هنية في عقر دارهم عبرة في ذلك.
وبالعودة إلى حماس وعنادها المستمر حول مسألة السلاح، فكل شيء الآن بات ظاهراً بعد أن توقف من تبقى من عناصرها عن مقارعة الاحتلال وغابت مقاطع الفيديو اليومية التي كانت تلهب حماس المناصرين في الخارج، وبات ظاهراً للعيان أن حماس وسلاحها ليس لهم إلا هدف واحد هو الحفاظ على حكم الحركة داخل القطاع حتى وإن بقي عنصر واحد فقط ينتمي للجماعة.
وما تقوله حماس إعلامياً بأنها تبدي مرونة كبيرة في تسليم حكم القطاع ليس إلا ذراً للرماد في العيون، فحماس تريد تسليم الأعباء المالية فقط لحكومة أخرى لكن السيطرة العسكرية على الأرض ستبقى لها ولمن تبقى من عناصرها وبذلك تستطيع أن تتحكم حتى بمصير ومستقبل الحكومة التي سيتم تشكيلها من خارج إطار الحركة، من منطلق أن من يمتلك السلاح يمتلك القرار.
إن الصراع الأزلي للحركات الإسلامية داخل المحيط العربي هو الوصول للحكم حتى وإن كان هذا سيكلف الكثير من جثث الأبرياء، ولنا فيما حدث بمصر حين وصل الإخوان المسلمين إلى الحكم عبرة، وما كاد يحدث في تونس أيضاً، وإذا عدنا بالتاريخ فلنتعلم مما حدث للرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، الذي حاول دمج تلك الحركات في الحياة السياسية فكانت نهايته على أيديهم.
وبكل تفاصيل هذا الصراع ومن منطلق علمي بما يحدث على الأرض داخل القطاع بحكم أنني ابن لهذه البيئة، فإن ما تقاتل حماس من أجله الآن هو بقائها داخل أروقة السلطة للحفاظ على آخر منظومة دينية إخوانية لها القدرة على الحكم بعد انهيار سلطتهم في كل مكان وطأته أقدامهم، وعلى اعتبار أن إسرائيل أصبحت على يقين بأن حماس باقية في حكم القطاع وهذا أيضاً يصب في المصلحة الإسرائيلية لإبقاء حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، فإن المعركة الحالية هي ليست معركة لإنهاء سيطرة حماس على القطاع، وإنما هي معركة هدفها تحييد كافة الأهداف التي يمكن أن تشكل خطراً على إسرائيل في المستقبل مع الإبقاء على بعض القدرات العسكرية التي يمكن أن تسيطر على الشارع بالحديد والنار حتى وإن اضطرت للقتل كما فعلت بحق الكثير من الفلسطينيين في أوج الحرب فقتلت وعذبت وقمعت العشرات من الفلسطينيين.
إن الحالة الفلسطينية وصلت إلى مرحلة مزرية وأصبح سلاح حماس عبئاً على القضية الفلسطينية وعدالتها، فمن ينتظر من المدنيين المسالمين أن يقدموا له ولعناصره ومسلحيه الحماية بأطفالهم لا يعتبر جديراً بالثقة أو الاحترام، ووجب على الكل الفلسطيني الإجماع على أن حماس بكوادرها ومسلحيها أصبحوا ميليشيا خارجة على القانون والعرف الفلسطيني ووجب على الجميع التكاثف لرأب هذا الصدع واستعادة القطاع من مختطفيه والعمل على إنهاء الحرب التي باتت بلا أهداف واضحة سوى القتل والتهجير.