الدكتور/ محمد حسين يكتب..باكستان … الدروس المستفادة

أعادنا التفوق العسكري الباكستاني مقابل الجيش الهندي في الصراع الحالي بين الجارتين النوويتين وتصريحات القادة الباكستان القوية العزيزة – لا سيما ردهم على اعتزام الهند وقف تدفق المياه باعتباره “عملا حربيا”. وبالجملة قدرتها الفائقة على حماية مصالحها وأمنها القومي تجاها جارتها الهند المتفوقة عليها كمًا وكيفًا وفرض إرادتها وهيبتها بشكل مُبهر إلى تصريح رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو – رئيس وزراء حزبي مدني – عام 1965، والذي تولى دعم البرنامج النووي الباكستاني للحصول على القنبلة الذرية بقوله: (إذا بنت الهند القنبلة فإننا سنقتات الأعشاب والأوراق، بل حتى نعاني آلام الجوع، ولكننا سنحصل على قنبلة من صنع أيدينا، إنه ليس لدينا بديل). وإعلانه عام 1974 عن عزم بلاده تطوير السلاح النووي بعد أول تفجير نووي هندي، حيث مثلت تجربة القنبلة النووية الهندية عام 1974 صدمة عنيفة للقادة الباكستانيين الذين فتحوا المجال للعلماء بسرعة التحرك لسد الثغرة التي أحدثتها التجربة الهندية. وفي عام 1974 بدأ الحظر الغربي للتقنية النووية على باكستان بقيادة أمريكا وممارسة الضغوط من أجل إيقاف برنامجها النووي وفي العام 1976 أُسند إلى العالم عبد القدير خان إنشاء هيئة الأبحاث النووية المعروفة باسم «معهد الأبحاث الهندسية» في كاهوتا في باكستان، وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تخصيب اليورانيوم، وخلال مدة ست سنوات استطاع الوصول إلى أهدافه. بدأت باكستان تشغيل مفاعل نووي قادر على إنتاج البلوتونيوم اللازم لصنع الأسلحة في العام 1996، وبعد ذلك بعام، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك نواز شريف أن بلاده أصبحت تمتلك سلاحا نوويا. ومن قبل ذلك كان طبيعيًا أن ترفض باكستان الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لأن هذا ضد مصالحها النووية وعللت ذلك بعدم انضمام الهند لها.
وفي أعقاب نحو أسبوعين من تجارب نووية هندية، نفذت باكستان في مايو/أيار 1998 أول اختبار لسلاحها النووي، فأجرت 6 تفجيرات نووية، لتصبح آنذاك سابع دولة تُجري اختبارا رسميا لسلاح نووي.
وواصلت باكستان توسيع برنامجها النووي وتطويره، ففي عام 2009 أصبحت لديها 4 مفاعلات نووية، بعد أن حصلت على مفاعلين إضافيين من الصين يعملان بالماء المضغوط.
ملحمة وطنية شارك فيها الجميع يتصدرهم العلماء والباحثون بقيادة سياسية رشيدة الوطن حاضر في عقلها لا السلطة؛ بالتالي تهدف إلى تحقيق مصالحه. . باكستان الآن هي سابع أكبر قوة نووية في العالم، ويُقدر مخزون ترسانتها إلى حدود عام 2025 بحوالي 170 رأسا نوويا، تعضدها بنية نووية تحتية واسعة قادرة على تخصيب المزيد من اليورانيوم، والعديد من المفاعلات لإنتاج البلوتونيوم، مع منظومة إطلاق متطورة ومتعددة.
والحقيقة أن هذه التجربة تقدم العديد من الدروس المستفادة في حياة الدول:-
أولها: أن الدول تبنى بالأفعال لا بالأقوال المرسلة أو التصاريح العنترية أو البروباغندا الكاذبة.
ثانيًها: لن يكون هناك بناء للدولة إلا عندما يكون الوطن حاضرًا في أذهان الحكام قبل السلطة وتكون الإدارة رشيدة.
ثالثها: بناء الدولة لا يكون بالجيوش – رغم أهميتها في دورها الوظيفي – وإنما بالعلم والعلماء وهذا لن يتأتى إلا بالاهتمام بالتعليم والبحث العلمي الذي يُسفر بلا ريب عن دولة قوية في المجالات كافة بما فيها المجالات العسكرية، مع الأخذ في العتبار أن الحرب الحديثة لم تعد تعتمد على تقنيات التسليح التقليدية، وإنما على التقنيات الحديثة التي لا سبيل لها إلا بالعلموالبحث العلمي.
رابعها: هناك أمورًا فاصلة في حياة الدول لا يمكن التسويف أو التهاون فيها وعلى رأسها ( المياه). قطرة المياه تساوي الدم.
خامسها: لا سلام دون قوة تحميه ( إذا أردت السلام عليك أن تستعد للحرب).
سادسًها: قوة الحاكم من قوة دولته، ولا يمكن لجهة أو مؤسسة منفردة مهما ادعت بأهميتها أو قوتها أن تبني دولة، بل إن ادعاءها بذلك يدل على عدم فهم لطبيعة بناء الدول وخلطها بين الدولة والسلطة، فبناء الدولة مسئولية كافة فصائل المجتمع يتقدمهم العلماء والباحثون في ظل إدارة رشيدة تعمل لمصلحة الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!