حسام خضرا يكتب: عَصَا مُوسى

تلك العصا التي شكلت معجزة لنبي فآمن السحرة بسببها وفجرت بها عيون الماء في الصحراء وشقت البحر أيضاً، لم تقف سيرتها على الإعجاز الإلهي، بل أيضاً تحولت إلى أداة سياسية، جسدها فيلم الهروب للعملاق أحمد زكي والتي تمثلت باستعانة السلطات بحيلة “عصا موسى” التي تعتمد على خلق قضية والترويج لها إعلامياً بطريقة تخلق حالة من الجدل داخل المجتمع للتغطية على قضية أخرى ربما يتسبب كشفها أو الحديث عنها بشرخ كبير بين المجتمع والسلطة الحاكمة.
وعلى ما يبدو أن إسرائيل لجأت إلى “عصا موسى” في تشكيلها الجديد الذي بدأ يطفو على السطح تحت إسم “اللجان الشعبية”، لتشكل حالة خاصة عنوانها “ياسر أبو شباب” القائم على تشكيل تلك المنظمة، والذي بات ذكره في الصفحات الأولى للصحف نشرات الأخبار وحلقات الجدل والنقاش بسبب ضبابية الرؤية حول تلك المنظمة وأهدافها ومن يقف خلفها خاصة أن الأمر خرج من إطار إسرائيل وحدها بعد تناثر أخبار عن وجود دول عربية وأطراف من السلطة الفلسطينية تضع يدها لتوجيه عمل تلك المنظمة، ما يمكنه أن يضفي عليها شرعية ككيان فلسطيني مستقل في المستقبل القريب.
ومن الواضح أن إسرائيل توصلت إلى نتيجة تشير إلى أن أكثر ما يمكنه أن يؤلم حماس على المستوى المعنوي والقيادي هو انتزاع سيطرة عناصرها على الأرض، لكن هذه الأرض لا يجب أن تكون تحت سلطة الجيش الإسرائيلي لأن حماس تعلم أن الجيش سينسحب في حال التوصل إلى اتفاق للهدنة وستستعيد حماس سيطرتها على تلك الأرض مرة أخرى، لكن في حالة وجود كيان فلسطيني بديل يعمل على الانتشار والتمدد والسيطرة ويملك المعلومة واللغة والثقافة والهوية نفسها التي ينتمي لها سكان القطاع الذين أدركوا أن حماس تراوغ فقط للإبقاء على سلطتها داخل القطاع دون أي اهتمام بآلام ودماء المواطنين، يمكنه أن يشكل حالة تهدد استمرار حماس في الحكم.
وبالفعل ما أن بدأت الأخبار تتناثر حول تلك المجموعات والمناطق التي تقع تحت سيطرتها حتى بدأت حماس حرباً إعلامية معلنة نسيت من خلالها حربها مع إسرائيل وسخرت كافة وسائل الإعلام الخاصة بها للهجوم على ياسر أبو شباب ومجموعاته بصفتهم “عملاء” لإسرائيل كما يتم وصفهم، ويعملون تحت إمرة القوات الإسرائيلية، كما حذرت المواطنين من التعامل أو الذهاب إلى المناطق التي يسيطر عليها أبو شباب، لكن ما حدث كان العكس تماماً فحتى هذه اللحظة تستمر تلك اللجان في عملها بتوزيع المساعدات واستقبال المواطنين النازحين من منطقة الشوكة التي تقع تحت سيطرتهم وربما يكون هذا تمهيداً للانتقال إلى منطقة أخرى خلال فترة قريبة ما ينذر بالكثير من الأحداث والمفاجآت، خاصة أنه من خلال الأخبار المتداولة فإن عمل هذه اللجان قد بدأ أيضاً من الداخل وهو ما كانت نتيجته الوصول إلى ثلاثة من جثث الرهائن حتى هذه اللحظة بناء على معلومات استخبارية حصلت عليها إسرائيل من فلسطينيين تم اعتقالهم بمساعدة تلك اللجان أثناء العمل على تطهير بعض المناطق من الأنفاق.
إن حيلة عصا موسى التي تعمل إسرائيل على تطبيقها نجحت بشكل جزئي حتى اللحظة في تشتيت حماس على المستوى الأمني واختراق منظومتها العسكرية بشكل موسع، كما أنها ساهمت في الكشف عن الكثير من المخططات نظراً لحالة الارتباك التي تعيشها الحركة داخل قطاع غزة بعد اغتيال السنوار وشبانة، ونظراً لرفض السكان لاستمرارهم في الحكم لكن الخوف من بطش عناصر حماس يمنع الكثيرين من الحديث، ونتيجة لذلك نجحت ظاهرة ياسر أبو شباب في التمدد حالياً، والمؤشرات المبدئية توحي بخروقات داخلية ربما تؤدي خلال الفترة المقبلة لاستعادة بعض الرهائن أو القيام بعمليات اغتيال مباشرة تنال من عناصر الحركة داخل القطاع.
إن أفضل ما يمكن أن تقدمه حماس للشعب الفلسطيني حالياً بدلاً من المراهنة على الوقت والدماء هو تسليم القطاع بشكل كامل لجامعة الدول العربية والانسحاب من المشهد بشكل كامل لأن القادم لا ينذر بالخير لسكان القطاع الذين يعيشون الجوع والموت يومياً في ظل انفصال تام من قيادة حماس عن الواقع المعاش، وتصريحات إعلامية تزيد من احتقان المواطنين ضد حماس وقيادتها وهذا ربما يدفع الكثير من سكان القطاع في المستقبل القريب إلى خيارات بديلة ربما تكون نتيجتها دخول القطاع بدوامة من العنف الداخلي الذي يؤدي إلى الفناء.