مشهد انتخابي سيئ – سلطة منعزلة – ومستقبل سياسي غامض

المؤكد بالنسبة لي أن الناس ستبتعد أكثر عن المشاركة في أي استحقاق انتخابي قادم، كما فعلوا في انتخابات مجلس الشيوخ من قبل، وكما سيفعلون على الأرجح في انتخابات مجلس النواب. فقد باتت الصورة واضحة للجميع: النتائج محسومة سلفًا، والمقاعد موزعة مسبقًا وفق إرادة السلطة، لا عبر إرادة الناخبين. فالنظام الانتخابي الحالي القائم على القوائم المغلقة بنظام التعيين المقنّع جعل العملية الانتخابية شكلية بلا مضمون، والمشاركة فيها لا تغيّر شيئًا في واقع السيطرة الكاملة على المجالس التشريعية.

لكن ما قد لا تدركه الأجهزة التي تدير هذا المشهد أن عزوف الناس عن المشاركة السياسية لا يعني فقط اللامبالاة او عدم الاهتمام، بل هو تعبير عن فقدان الثقة في النظام بأكمله. فحين يفقد المواطن الإحساس بأن صوته يُسمع أو أن رأيه يُحدث فرقًا، فإنه لا ينسحب من صندوق الانتخابات فقط، بل ينسحب من المجال العام كله. وهذا الانسحاب التدريجي هو أخطر ما يمكن أن يواجه أي نظام سياسي، لأنه يقوض شرعيته من الداخل.

إن تراجع نسب المشاركة لا يطعن فقط في شرعية الانتخابات، بل في شرعية الحكم ذاته، لأنه يطرح سؤالًا وجوديًا حول مدى تمثيل النظام للشعب. ومع استمرار هذا المسار، تُفتح الأبواب أمام سيناريوهات غير محسوبة قد تبدأ بتآكل الثقة وتنتهي بانفجار اجتماعي أو سياسي يصعب احتواؤه.

ومن المدهش أن النظام رغم كل المؤشرات لم يقدم أي خطوات جادة للإصلاح السياسي أو لتصحيح المسار الانتخابي منذ عام 2014. فكل برلمان يأتي يكون أسوأ من سابقه، وأكثر انعزالًا عن الناس، وأقل كفاءة واستقلالًا. ومع مرور الوقت، تحوّل البرلمان من سلطة تشريعية ورقابية إلى مجرد مكتب تصديق تابع للسلطة التنفيذية، يُختار أعضاؤه إما وفقًا لمعيار الولاء أو لمقدار ما يُدفع من أموال مقابل المقعد، الذي تجاوزت قيمته عشرات الملايين من الجنيهات.

ما نراه اليوم ليس مجرد انتخابات باهتة، بل مشهد سياسي في غاية السوء يُنذر بمستقبل غامض. فحين يُختزل الوطن في نخبة مغلقة لا تسمع إلا صدى صوتها، ولا ترى إلا ما تريد أن تراه، تصبح النتيجة الحتمية فقدان الاستقرار الحقيقي. واستبداله بإستقرار زائف مبني على الصمت والإقصاء.

إن الإصلاح السياسي لم يعد ترفًا، بل ضرورة وطنية ملحّة، فبدون إعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، وفتح المجال العام، وضمان انتخابات حرة نزيهة بدون اقصاء او تعيينات، لن يكون هناك مستقبل مستقر، بل أزمة قادمة لا مفر منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!