د. آمال سيد تكتب.. نحو استراتيجية للحد من عمالة الأطفال

طالعتنا الصحف منذ أيام بخبر مصرع 13 طفلا تتراوح أعمارهم بين 10-13 عاما كانوا يستقلون سيارة ربع نقل في طريقه الى العمل بمحافظة الإسماعيلية.
وتتميز عمالة الأطفال في الريف المصرى ببعض الخصائص النوعية، فهى عمالة موسمية بها مواسم بطالة ومواسم ذروة ،كما أن بعض الأطفال يعمل بها طول الوقت أو بعض الوقت ، فعمليا كل أطفال الريف هم عمال زراعيين، وفى بعض الأحيان يعمل الأطفال في ظروف عمل غاية في الخطورة والبؤس ـ حيث يعملون في مواعيد عمل مبكرة جدا تبدأ من الثلث الأخير من الليل ،فضلا عن عملهم في قرى بعيدا عن أسرهم ولفترات طويلة، وحيث يقعون تحت الاستغلال المزدوج من صاحب المزرعة ومقاول الأنفار ، وحيث يستخدمون أدوات تفتقر لأبسط مواصفات السلامة ، فضلا عن أنهم يعملون في مهن حسب الطلب فلا يستطيعون تكوين أية خبرة في العمل أو تطوير مهاراتهم الفنية.

والحقيقة أن ظاهرة عمالة الأطفال هي ظاهرة متعددة الجوانب مثل قطعة الكريستال، حيث أنه لها جوانب اجتماعية ونفسية وصحية وتشريعية، وحول أهم المؤشرات الإحصائية للأطفال في مصر، وفقا لإحصاءات جهاز الإحصاء، فقد بلغ عدد الأطفال أقل من 18 سنة وفقا لتقديرات السكان، 40.9 مليون طفل وذلك في منتصف 2021.ويعمل منهم على حسب أحسن الإحصاءات دقة حوالي 12 مليون طفل، وهي العمالة التي أمكن تسجيلها.
ولا يمكن الحديث عن الحد من عمالة الأطفال بشكل عام في المجتمع ، وفى الريف بوجه الخصوص ، وفى قطاع الزراعة على نحو أكثر خصوصية دون الحديث عن خطة تنموية أعمق وأشمل لتطوير وتحديث الريف وقطاع الزراعة فهي الفضاءات التي تدور في فلكها الظاهرة اتساعا وانحسارا، والمواجهة هنا تعنى العديد من التوجهات العامة والتي يجب أن تترجم الى سياسات تفصيلية يختلف مداها من حيث الطول أو القصر إلا أنها يجب أن تسعى نحو مواجهة الفقر بشكل حقيقي من خلال سياسات تجفيف المنابع، والقضاء على سياسة الانحياز التاريخي لصالح الحضر والمدينة على حساب الريف و القرية، خاصة في مجال توزيع الاستثمارات، وإتاحة قدر من المشاركة السياسية على اختلاف مستوياتها تسمح بدور حقيقي لكل فئات القوى الاجتماعية في وضع السياسات التنموية والاشراف على تنفيذها، والرقابة على توزيع عوائدها عبر منظماتها السياسية والاجتماعية والمهنية، وإجراء إصلاح تشريعي يضمن مواجهة كافة الانتهاكات ويضمن الحماية القانونية والاجتماعية للطفولة العاملة خاصة في القطاع الريفي والتي لا يقتصر الأمر على إخضاعها للقانون الحالي، بل إصدار تشريع خاص بها يلائم ظروف عملها، ويضمن فاعلية التطبيق ،حيث أن قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 لا يناسب ظروف عمل الأطفال في القطاع الريفي.، وتحديث وتطوير التكنولوجيا وتقنيات الإنتاج بأفرعه المختلفة بما فيها الإنتاج الزراعي والذى يخلق احتياجا دائما لعمالة الأطفال بأوضاعه الراهنة.

كل هذه التوجهات العامة تستدعى مجموعة من السياسات التطبيقية والتي تشمل إخضاع كل الأطفال لنظام التأمين الصحي وفى مقدمتهم الأطفال العاملين، وتنشيط دور المنظمات غير الحكومية في مجال الرقابة على عمل الأطفال وضمان حقوقهم ودعم برامج الرعاية الجزئية لهم، والدعوة الى وضع قانون لحماية الطفولة العاملة والضغط من أجل إصداره بالبرلمان، وإنشاء مراكز لتسجيل وتشغيل الأطفال المنخرطين حاليا في سوق العمل لبناء قاعدة بيانات قوية وتسهيل عمليات الرقابة، والاهتمام بعمليات تدريب وتعليم الطفولة العاملة وتنمية مهاراتها وهو ما يجب أن يشارك فيه رجال الأعمال كطرف بالتمويل والتدريب،وضرورة إحداث تعديل جوهري في برامج التعليم وأساليبه وخاصة في المناطق الريفية بما يسمح بالاستفادة من المعارف والخبرات التعليمية مباشرة في العمليات الزراعية التي يسهم فيها الطفل من خلال عمله في مزرعة الأسرة وأخيرا تغليظ العقوبة على كافة أشكال الانتهاكات خاصة حالات تشغيلهم في بيئة عمل ضارة بصحتهم أو تمثل خطورة على حياتهم والوصول بها الى حد إغلاق المنشأة .

هذه بعض الإجراءات المباشرة التي تسهم في التخفيف من حدة ظاهرة عمالة الأطفال، فأطفالنا هم وديعة المستقبل لهذا الوطن، وأن لم نحافظ على وديعتنا ضاع مستقبلنا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار