ماجد سمير يكتب..  حالة خاصة جدا

 

تبدو القصة وكأنها مشهد في فيلم سينمائي مكتوب بحرفية شديدة، فجأة دون سابق إانذار تجد نفسك تحيا من جديد وسط ذكريات مر عليها نحو نصف قرن، يبدأ الأمر بصورة قديمة تضم عددا من زملاء الروضة، في مدرسة الأمريكان بالفيوم، نشرتها سيدة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ ما أن تلتقط عيناك الاسم تعتدل في جلستك وتمد يدك اليمنى تضبط نظارة القراءة جيدا أمام عينيك لتتأكد من صحة الاسم.

نعم هى بالفعل صديقة الطفولة، كانت تسكن في نفس الشارع، يقع منزلها أمام المدرسة التي جمعت بينكما طوال سنوات الدراسة، تفتح البوست لتجد التعليقات تضم أسماء أخرى حروفها تحمل حنينا ونستولوجيا لأيام البراءة والطفولة.. تتأمل الصورة تحاول التعرف على أي من الوجوة الطفولية شديدة الجمال، الذاكرة لاتسعفك.

تتذكر المدرسة بحدائقها وطرقها وفصولها، وقبل كل شىء مديرتها التي تبدو وكأنها كائن ملائكي يحمل الحب والحنية والشدة والصرامة في “كوكتيل” قلما يجتمع في شخص واحد، ولا تعلم هل أضافت “مس أماليا” على جو المدرسة لحنا خاصا؟ أم أن المدرسة لها موسيقاها المتسقة مع مبانيها ومدرسيها وطلابها بشكل جعل لها صورة خاصة مستقرة في وجدانك.

تسرع لقراءة التعليقات تجد الكثير منهم عرف مكانه في الصورة والآخرون يتساءلون أين نحن؟ يجيب واحد من أصدقاء العمر يتمتع بذاكرة حديدية، ويحكى كل التفاصيل القديمة وكأن الأمور تحدث أمامه الآن، لدرجة انك تطلق عليه لقب “شيخ حارة الدفعة؛ فيقول: إما أننا نمارس رياضة ” الشعلقة” على العقلة الكبيرة في حديقة المدرسة، أو ربما نقوم بغارة معتادة على الفصل الثاني، فيما أكد صديق آخر ” في الأغلب ياشباب كنا نُعاقب على ارتكاب شغب ما “بالتذنيب في أوضة الفيران”، فورا تتفق مع رأيهما مؤكدا أن الصور كانت مقصورة على الأطفال “الكيوت” وغير مسموح لنا كمسجلين خطر التواجد فيها ولو للقطة واحدة.

تتذكر صديقك الأول الذي رافقك منذ أول يوم حتى قررت إدارة المدرسة نقله للفصل التاني، يومها دخلت لمديرة المدرسة تطالب بعودته لفصلك أو نقلك معه، وبعد رفضها تتبسم في وجهك وتعطيك بعض الحلوى.

تبتسم حين تعود لمخيلتك قصة حرمانك من الحلوى لأنك مصنف كعضو بارز في فريق المشاغبين، لأسباب كثيرة منها إصرارك اليومي على “الزحلقة على الدرابزين” بدلا من النزول على الدرج مثل باقي زملائك، استخدامك الشباك بدلا من الباب للدخول والخروج من الفصل، ولعب مباريات الكرة بعد مواعيد المدرسة.

وتزداد ابتسامتك حين تتذكر أن تصنيفك كمشاغب، ألزم والدتك بالتوقيع على مايشبة الإقرار بأن شقيقتك الصغرى لاتشبهك أبدا في الشغب وأنها ملتزمة تماما حتى تقبل في المدرسة.

تتعرف على واحدة من الصديقات المقربات وتذكرك بأنك كنت تقوم بضربها كرد فعل على ضربها لك، وتبتسم مؤكدة أنها ذهبت مؤخرا لطبيب بصحبة والدتها كان زميلا في الدفعة وأخبرها فور رؤيتها أنها كانت تضربه كثيرا، الصديقة هى أول من تزوجن من بنات الدفعة، بعد حصولها على الثانوية العامة فورا ويومها قلت : يبدو أنها حصلت على عريس من مكتب التنسيق.

 

تبدأ وصلات التعارف والتذكر تباعا، وتتواصل مع زميلة تتذكرها جيدا هاجرت مع زوجها وابنيها للإقامة في بلاد المهجر، تتعجب انها كانت تقيم بأحد شوارع وسط القاهرة بجوار مقر عملك ومع ذلك لم تجمعك الصدفة بها ولو مرة واحدة، وتخبرك انها ستعود في زيارة سريعة لمصر وتتفقان على اللقاء وتذهب لزيارتها بصحبة زميلة اخرى.

خلال اللقاء تشعر كأنك عدت بالزمن لسنوات، وتمر أمامك الحكايات كشريط سينما يحكى كل منكم عن دوره بمشاعر جياشة، وأثناء العودة تخبرك الزميلة انها ستؤسس جروبا على فيسبوك يضم كل الأصدقاء القدامي، وتباعا ينضم الجميع، وتبدو ملامح البهجة واضحة في كتابات الجميع في كل مرة ينضم صديق جديد للجروب، منهم صديقة كانت تسكن في الدور الأرضي لعمارة تقع أمام سكن عائلتك، كانت شديدة الهدوء تمسك دائما بيد واحدة من مشرفات المدرسة طوال اليوم الدراسي، تضحك بشدة حين تتذكر أنك كنت تقفز لتراس بيتها بعد سقوط الكرة فيه خلال اللعب، وكثيراً ما شكا والدها لوالدك – رحمهما الله- متضررا من أفعالك.

 

ويصبح الحوار داخل الجروب كأنه حلم لا يجلب سوى سعادة بالعودة لرؤية سكان القلب الأصليين، بهجة تسيطر على تصرفاتك تصحبها مشاعر لا توصف تجعل وجهك يحمل ابتسامة نابعة من القلب لأنك بالفعل تعيش في حالة خاصة جدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار