مجدى عبد الحميد يكتب.. حوار وطني من أجل ماذا ؟

 

 

 

ما أن دعي الرئيس عبد الفتاح السياسي لإطلاق حوار وطني يشارك فيه الجميع دون استثناء …. وتلقت أجهزة الإعلام وباقي الأطراف المعنية إشارة فتح الباب لذلك الحوار، إلا وبادر الكثيرون من ممثلي الأحزاب والقوي السياسية المختلفة وكذلك المثقفين والمحللين والأكاديميين وكافة اطياف المجتمع المدني وحتي مواطنين طبيعيين، جميعهم متعطشين للمشاركة في الشأن العام، ولديهم شعور بالحرمان من مجرد إبداء الرأي، في طرح أفكارهم ورؤاهم لحل مشكلات وأزمات الوطن، الكبري قبل الصغري.
الجميع سارع بقول كلمته قبل أن ينفضً المولد، وكأنها وصيتهم الأخيرة للوطن، فلا أحد يدري هل ستتاح الفرصة مرة ثانية أم تري أنها لحظة عابرة، عليه أن يقتنصها بسرعة قبل أن تعود الحياة إلي ناموسها العادي المستمر منذ عدة سنوات ؟!!!
وعلي الفور بدأت حالة من اللهاث وراء الدعوة دون تفكير متأن من قبل الكثيرين، البعض بصدق واخلاص، البعض سعيا وراء جني بعض المكاسب التي يمكن ان يسفر عنها قبول الدعوة والمشاركة في الحوار المزمع، وفريق ثالث قدًر انها فرصة لقول كلمة حق مطلوبة لانقاذ الوطن من كوارث قادمة، نراها رؤي العين ولا نستطيع حتي مجرد التحدث عنها، فسيوف الخيانة والعمالة والقائمة الطويلة من الاتهامات مشرعة في وجه الجميع منذ عدة سنوات، لذلك ما أن اطلق الرئيس الدعوة بنفسه وعلي مرأي ومسمع من الشعب كله، حتي اطمأنت القلوب، ولو قليلا، وشعرت بقدر من الأمان وبامكانية ممارسة جزء من حقها في المشاركة في ادارة شئون البلاد، ولو بمجرد ابداء الرأي !!!

ان نقطة البدء كما اتصورها، والتي تشكل حجر الزاوية، هو بناء أركان وأسس الدولة الحديثة، فمهما كان حجم الإصلاحات الجزئية في طبيعة النظام وفي السياسات، يظل هناك أساس للاصلاح يجب ان نضعه نصب اعيننا، نتوجه اليه دائما، نسعي ان تصب جميع خطوات الاصلاح في مجراه، ألا وهو التأسيس للدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، فلا يمكن لشجرة أن تورق ويصبح لها أفرع وأغصان وتزهر نباتا طيبا مثمرا، ما لم تكن جذوعها قوية وجذورها عفية وثابتة في الأرض، كذلك لا يمكن لأي حوار أن يصل الي نتائج عملية قابلة للتحقق ومؤثرة في شكل ومسار حياتنا اليومية ونحن نعاني من ضعف وهشاشة بني الدولة الأساسية.

وبهذا المعني فاذا كان هناك من فائدة للدعوة التي اطلقها الرئيس لبدء ما يسمي بالحوار الوطني فهي تلك الحالة التي فجرتها في بركة الحياة السياسية الراكدة في البلد منذ عدة سنوات، فخلقت حراكا غير مسبوق، جعل الدماء تتدفق في شرايين المجتمع بكل أحزابه وشخصياته ومؤسساته المدنية علي تنوعها، مقالات رأي ورؤي وأفكار وآراء متنوعة ومختلفة وبرامج حوارية أعادت الحياة شبه الطبيعية لشاشات التليفزيون … جميعها تتمني وتتنبأ، بحذر، باحتمال عودة الروح لجسد المجتمع من خلال اعادة الاعتبار للسياسة وللممارسة الديموقراطية.

وفي هذا الإطار رأيت أن اسجل تلك الشهادة، كتذكير وتأكيد علي أهمية الإمساك بالأساسي في موضوع الحوار.

عندما شاركت مع زميلات وزملاء أفاضل ونخبة محترمة من السياسيين والمثقفين الوطنيين الديموقراطيين المصريين في تأسيس الحركة المدنية الديموقراطية، وكان ذلك منذ ما يقرب من خمس سنوات، تلك الحركة التي رفعت شعار العمل علي بناء وتأسيس الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، واعتبرت ان مهمتها الاساسية منذ بداية تأسيسها هي السعي الي اطلاق الحريات والتصدي للارهاب والفساد والاستبداد معا، من خلال العمل علي تحقيق وترسيخ المبادئ التالية علي أرض الواقع :

* تثبيت أركان الدولة في مصر من خلال الحفاظ علي مدنيتها وتحقيق الفصل الكامل بين الدين والسياسة.
* العمل علي بناء والحفاظ علي مؤسسات الدولة المدنية الحديثة، مؤسسات مدنية مستقلة وديموقراطية : مؤسسة الرئاسة، المؤسسات التشريعية، الهيئات والسلطات القضائية، المؤسسات التنفيذية، سلطات الحكم المحلي، المؤسسات المسؤولة عن حماية وصون أمن البلاد داخليا وخارجيا.
* احترام امكانية التبادل السلمي للسلطة من خلال الممارسة الحزبية الديموقراطية واجراء انتخابات حرة ونزيهة علي كل المستويات.
* احترام الوضع المتميز والخاص جدا للمؤسسة العسكرية الوطنية المصرية باعتبارها الحارس لجميع السلطات والحامي دستوريا لها والضامن لاستمرار نظام الحكم ومدنية الدولة وديموقراطيتها.
* احترام الحقوق والحريات للمواطنين كافة، الحريات الخاصة قبل العامة وضمان تحقيق العدل وتطبيق مبدأ المساواة للجميع أمام القانون وضمان حقوق المواطنة الكاملة للمواطنين والمقيمين علي السواء.
* تقديم كل العون للدولة والسلطات الحاكمة للتصدي لمحاولات اسقاط الدولة باستخدام العنف والارهاب المادي والفكري للمواطنين، والعمل معا لتحقيق الامن والامان واستقرار الدولة ونظامها السياسي الديموقراطي بما يؤدي لتطوير المجتمع واحداث التنمية الانسانية الشاملة وتحقيق النمو والتقدم من خلال منظومة متكاملة لتحقيق العدالة والتوازن المجتمعي.
لقد خاضت الحركة بمنتهي القوة والشرف والأمانة، قدر استطاعتها، العديد من المعارك السياسية دفاعا عن قناعاتها لفتح المجال العام واطلاق حرية الرأي والتعبير ودفاعا عن سجناء الرأي السلميين ودفاعا عن حقوق المواطنين في العيش بكرامة وصونا لثروات ومقدرات البلاد الاقتصادية، ودفعت اثمانا كبيرة من حرية بعض من اعضائها، الذين قدر لهم القيام بذلك الدور زودا عن حقوق وحريات الوطن والمواطنين.
وها هي الحقيقة تنجلي بعد مرور خمس سنوات علي طرح رؤانا وافكارنا، لقد كان ولا يزال تصورنا ان نقطة البدء لأي عمليات اصلاحية تصبو الي الانطلاق بقوة نحو التقدم واللحاق بركب العالم الذي حقق الرقي والاشباع المادي والروحي لمواطنيه، هو التأسيس الصحيح لبني الدولة، ووضع دعائم النمو المتكافئ المتوازن الذي يحقق الرخاء والرفاهية لجميع مواطنيه.
لقد استحضرت اهداف وعناوين معارك خاضتها الحركة المدنية الديموقراطية من اجل التحضير لبناء الدولة المدنية الحديثة وانا ارقب الدعوة التي اطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي للحوار الوطني مؤخرا، ومع متابعة الحوارات والتحركات التي سرت في المجتمع السياسي وفي الكيان الحي للمجتمع المدني منذ اطلاق الدعوة للحوار، والاستجابات المختلفة للقوي والفصائل والتجمعات والافراد، فانني مازلت أري ان الحقائق القديمة مازالت صالحة حتي الآن، وان البدايات الحقيقية يجب ان تنطلق من الدخول في صلب الموضوع مباشرة وليس في مناقشة النتائج والتداعيات، او عمل مقاربات لبعض السياسات من هنا وهناك او السعي للحصول علي بعض المكاسب الجزئية، وان كنت لست معاديا لذلك او انتقص من اي جهد، ولكني اري ان اصلاحا حقيقيا وانقاذ لمستقبل الوطن والمواطنين، لن يتأتي بدون اقتحام حقيقي لجوهر المشكلة، الا وهو مناقشة جادة وعميقة ومسؤولة لشكل وطبيعة الدولة التي نريدها، هل حقا نريد التأسيس لدولة مدنية ديموقراطية حديثة ( نطلق عليها بحق الجمهورية الجديدة ) ؟
أم نريد تزويق وتزيين المشهد الحالي بكل ما يكتنفه من تحديات وصعاب واشكاليات وربما كوارث كبري ؟
ذلك هو السؤال الجوهري من وجهة نظري

د. مجدي عبد الحميد
كاتب ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
النائب محمد عزت القاضى: دعم الرئيس السيسى لـ"الحوار الوطني" وراء نجاح الحوار النائب محمد البنا: زيادة إقبال المواطنين للتصالح في مخالفات البناء بسبب التيسيرات وتوجيهات القيادة السياسية حزب العدل يحيي ذكرى المولد النبوي من مستشفى ٥٧٣٥٧ ودار أيتام الهنا انطلاق مبادرة الفرز المنزلي للمخلفات بمنطقة عزبة النخل والمرج مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق في "ما يبدو محاولة اغتيال" لترامب.. وكشف تفاصيل عن المشتبه به 70 ألف وحدة جديدة.. كيف تستفيد من البنوك في الحصول على شقة بالتمويل العقاري من «الإسكان»؟ وزارة الصحة تحدد سعر الكشف المنزلى لمنتفعى التأمين الصحى بـ1500 جنيه من كلمات أحمد ماضي وألحان جان ماري رياشي..الفنانة سما شوفاني تطلق أغنيتها الجديدة "ما تقلي Baby" بعد وفاته قهرًا..الجبهة الديمقراطية تنعي مدير التعليم الاعدادي والثانوي وتطالب بحجب أية مناصب قيادية عن مدير الإدارة التعليمية بدير مواس عاجل.. تفاصيل منهج العلوم المتكاملة لطلاب الصف الأول الثانوي.. يدرسها معلم واحد