محمد عادل يكتب..أزمة التغيرات المناخية وأثرها على الاقتصاد المصري
تعد التغيرات المناخية واحدة من أهم القضايا العالمية الملحة في وقتنا الحالي، مما وضعها في مكان الصدارة على أجندة كافة الاجتماعات الدولية والاقليمية، والتي تسببت فيها الدول الصناعية الكبرى خلال مسيرتها التنموية في العقود السابقة، بواقع تلوث أحدثته بنسبة 95%، ويرجع ذلك الى سعي كل دولة لتعظيم مصالحها على حساب الدول النامية الغير قادرة على التصدي لتداعيات الأزمة وتحمل مخاطرها، حيث تعد التغيرات المناخية قضية عالمية تفتقر تماما للعدالة الاقتصادية، حيث أن الدول النامية ليست لها أي خطى سريعة نحو التطور التكنولوجي والتقنيات التي غالبا ما تأتي من الدول العظمى، ونقول هنا نقطة مع الإنسانية فتلك الدول التي تسببت في تأجيج هذه القضية، ومن ثم لديها واجب اجتماعي عالمي وإلزامي بأن تساهم في تنفيذ أجندة من شأنها مواجهة التداعيات السلبية للتغيرات المناخية، والتي تفاخمت ووضعت جميع دول العالم في سباق لمواجهه تلك الازمة والتخفيف من مخاطرها.
وتمثل الأحداث الجوية العنيفة من سيول وموجات حرارية وعواصف ترابية، وارتفاع منسوب مستوى سطح البحر أهم التأثيرات السلبية الناتجة عن تغير المناخ على مستوى جمهورية مصر العربية، رغم أنها أقل دول العالم إسهاما في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ونظرا لطبيعة موقع مصر الجغرافي الذي يتوسط العالم، ولضعف الدعم المالي المتاح لها من الدول المتقدمة، فإن ذلك يجعلها معرضه للخطر بشكل أكبر؛ حيث مازال الدعم ضئيلا مقارنة بتكاليف التكيف السنوية، فقد تعهدت الدول الصناعية الكبرى في اتفاقية باريس للمناخ بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية حتى عام 2025 ولكن لم يتم الوفاء بها، كما تعهدت بتخفيف الاعتماد على مصادر المحروقات وتقليل انبعاثاتها من الكربون وتقديم تقارير شفافة حول التقدم الذي تحرزه في هذا المجال.
ولكن في الواقع:-
– ارتفعت درجات الحرارة في مصر عن معدلاتها الطبيعية، حيث سجل البنك الدولي في 2017 أن عام 2016 هو أشد الأعوام حرارة منذ بداية تسجيل درجات الحرارة، نتيجة إرتفاع درجة حرارة الأرض 2,1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
-تؤثر التغيرات المناخية على إعاقة العديد من عمليات التنمية في مصر وإضعاف البنية التحتية من طرق سكك حديد ووسائل نقل كما تؤثر على معدل النمو الاقتصادي.
-ارتفاع منسوب مستوى البحر وتأثيراته على المناطق الساحلية، حتى أنه من المتوقع زيادة مستوى سطح البحر 100 سنتيمتر حتى عام 2100.
-وقد أثبتت الدراسات أن الأضرار الناجمة عن التغير المناخي قد تكبد المصريين خسائر فادحة في العديد من المجالات والقطاعات الاقتصادية، كما أنها تهدد أيضا بإفشال جهود التنمية وبزيادة معدلات الفقر والبطالة، وبتفاقم عدم الأمن المائي والغذائي وتدهور الأحوال المعيشية لملايين المواطنين المصريين، وقد أشار العديد من الخبراء إلى أن التغير المناخي قد يؤثر سلبيا على الموارد المائية المتاحة لمصر، وخاصة فيما يتعلق بمياه النيل الذي يعتمد عليها المصريون بنسبة 95% في المائة، لتلبية الاحتياجات المائية في الشرب والغذاء والزراعة والصناعة وتوليد الطاقة والملاحة وغيرها.
*سياسة مصر إزاء قضية التغيرات المناخية*
تؤكد مصر على أهمية استمرار الحوار بين الدول المتقدمة والدول النامية لتحسين الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون للتصدي للآثار السلبية للتغيرات المناخية في مؤتمرات المناخ الدولية، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتجنب المخاطر المتوقعة للتغيرات المناخية.
اتخذت مصر عدة تدابير للتعامل مع تلك القضية، ومنها:
. التصديق على اتفاقية الامم المتحدة للتغيرات المناخية وإصدار قانون البيئة رقم 9 عام1994
.المشاركة في كافة المؤتمرات وحلقات العمل الدولية المتعلقة بالتغيرات المناخية لتجنب فرض أي التزامات دولية على الدول النامية ومنها مصر، فقد استضافت مصر الدورة 27 من مؤتمر المناخ COP27 عام2022 لمواجهة أزمة التغيرات المناخية.
.التصديق على بروتوكول كيوتو وتشكيل اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة عام 2005، وتشمل على المكتب المصري والمجلس المصري لالية التنمية النظيفة.
.إصدار تقرير الإبلاغ الوطني الأول عام 1999 لحصر غازات الاحتباس الحراري ووضع خطة العمل الوطنية للتغيرات المناخية.
.تشجيع مشروعات تحسين كفاءة الطاقة من خلال وزارة الكهرباء والطاقة بعمل مشروعات عديدة في مجال الطاقات الجديدة والمتجددة (الرياح -الشمسية-المائية-الحيوية).
.تنفيذ مشروعات لحماية الشواطئ من خلال وزارة الموارد المائية والري وإنشاء معاهد البحوث المختصة بالتعاون مع شركاء التنمية.
.عمل مشروعات استرشادية لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشروعات الطاقة النظيفة ومعالجة المخلفات.
. تبنت سياسة «الاقتصاد الأخضر » حيث قامت بوضع البعد البيئي ضمن شروط تمويل المشروعات الحديثة ، حيث لا يقوم الجهاز المصرفي بتمويل أي مشروع من شأنه أن يؤثر على المناخ.
.قامت بإنشاء المجلس الوطني للتغيرات المناخية كهيئة وطنية معنية بقضية التغيرات المناخية وتعمل على دراسة التغيرات المناخية على جميع الجوانب ووضع الاستراتيجيات والخطط العامة للتكيف مع هذه التغيرات.
.ولا نستبعد دور مصر في التعامل مع غرق بعض المدن الساحلية كمدينة الإسكندرية نتيجة كثرة تساقط الأمطار وسوء حالة البنية التحتية، وقصور محطات الصرف الصحي بالمحافظة، وعدم قيام الأجهزة المختصة بإتخاذ الاجراءات الاحترازية لمواجهة التغيرات المناخية ، حيث تعد الإسكندرية من أكثر المناطق الحساسة والأكثر عرضة للغرق ولكن سرعان ما تقوم مصر بإنشاء السدود على كل سواحل الإسكندرية وبقية المدن الساحلية، كما وجه رئيس الجمهورية بتخصيص مليار جنية لرفع كفاءة الصرف الصحي في مدينة الإسكندرية واعتماد مبلغ 811 مليون جنية لتطوير المناطق العشوائية كلها، و القيام أيضا بإخراج السكان من الدلتا وبناء 16 مجتمع عمراني جديد، حيث أن بناء المدن الجديدة هو أحد أدوات التكيف مع التغيرات المناخية.