تصريحات وزير المالية ومشروع قانون المالية الموحد الجديد اعتراف متأخر بإخفاء حقائق الوضع الاقتصادى لسنوات طويلة ..ورغم ذلك تظل المعالجة قاصرة والأرقام مشكوكا فيها

د . زهدى الشامى

أدلى محمد معيط وزير المالية بتصريحات مهمة للغاية بمناسبة تعديل بعض أحكام المالية الموحد وأحالتها لمجلس النواب . وبينما أرادها الوزير والحكومة تعديلات وتصريحات تجميلية لمظهرها الباعث على الكآبة ، فإننا نجد مبررات كافية لاعتبار ذلك الاعتراف المتأخر للغاية اقرارا بفشل تلك الحكومة واخفائها حقائق الوضع الاقتصادى والمالى عن الشعب لسنوات طويلة ، رغم مطالبتها من قبل عديد من القوى السياسية والخبراء الإقتصاديين الوطنيين بتصحيح ذلك الوضع المعيب للموازنة العامة الذى يعصف بالمبدأ الرئيسى القاضى بوحدة الموازنة العامة ، وذلك بسماحها بموازنات متعددة وصناديق خاصة لاحصر لها خارج الموازنة العامة للدولة .
اليوم تبشرنا الحكومة متأخرة عشرة سنوات بوحدة الموازنة بضم الموازنة العامة للدولة وموازنة ٥٩ هيئة اقتصادية معا لأول مرة . وفى هذا السياق تكشف التصريحات والأرقام عن فداحة الجرم الذى تم ارتكابه بالاقتصاد المصرى على مدار سنوات طويلة .
فالوزير يعترف بانه بعد الضم ستصل إيرادات الموازنة العامة إلى ٥ تريليونات جنيه بدلا من ٢.١ تريليون جنيه فقط حاليا . بعبارة أخرى فهذه الحكومة ظلت لسنوات تخفى الوضع الحقيقى لايرادات الدولة ، ولاتوضح لنا سوى مايقل عن ٤٠ فى المئة منها . فهل بهذا قد أبرأت ذمتها حقا ؟ هذا أولا.
ثم لنأتى للثانية . هل هذه الحكومة مستعدة فعلا لإصلاح حقيقى لذلك الوضع بالغ التشوه الذى تسببت فيه لسنوات طويلة ؟ الإجابة الواضحة لا .
فالعنوان المعلن هو ضم ٥٩ هيئة اقتصادية للموازنة العامة ، ولكن الشيطان كما يقولون يكمن دائما فى التفاصيل . فبالتدقيق تكتشف انهم سيضمون أولا ٤٠ هيئة فقط ويؤجلون ضم ال١٩ هيئة الأخرى . ونحن لانعرف ماهى تلك الهيئات المحظوظة الكثيرة التى سيتم تأجيل ضمها . ويذكرنى هذا بقانون التأمين الصحي الموحد الذى صدر منذ سنوات ومع ذلك لازال يطبق فى أربعة محافظات فقط .
والملاحظات الثالثة هى أين موقع الصناديق الخاصة سيادية وغير سيادية من هذا المشروع وهى قد تضخمت لدرجة سرطانية ؟ وهل يمكن تحقيق أى شفافية مالية مع استمرار وضعها الحالى البعيد فعليا عن أى رقابة ؟
ونأتى للملاحظة الرابعة . هل بعد ذلك يمكن الثقة فى البيانات التى تقدمها الحكومة ؟ الإجابة المقاطعة لا . لن اتحدث عن كل الأسباب التى تدفع للاعتقاد بتسيسس متزايد و مفرط للبيانات فى السنوات الاخيرة بدأ قبل عامين ببيانات غير منطقية ومعاكسة لظاهر الأمور عن انخفاض نسبة الفقر ، ووصل لبيانات تشير لانخفاض معدل التضخم فى شهر يناير الماضى ، وهى بيانات تجميلية مناقضة تماما بشكل قاطع لما يلمسه كافة المواطنين من انفلات كامل للأسعار فى الفترة الأخيرة .
ولكن دعونا نتابع تحديدا تصريحات وزير المالية الأخيرة تلك . يعترف الوزير على استحياء بتزايد الدين العام من جديد ليصل إلى ٩٥.٧ فى المئة من الناتج المحلى الاجمالى فى يونيو ٢٠٢٣ ، بعد أن كانوا قد نجحوا فى خفضه وفق قوله إلى ٨٠ فى المئة فقط فى يونيو ٢٠٢٠ ، وهذا فى حد ذاته كاشف عن الفشل الحكومى فى تحقيق الأهداف المعلنة فى هذا المجال رغم الأعباء الكبيرة التى فرضوها على المواطنين .
ولكن السؤال يظل هل هذه الأرقام والنسب التى يعلن عنها الوزير صحيحة ؟
الإجابة الواضحة أيضا لا . فالنسبة التى تم الإعلان عنها للدين العام فى لجنة الدين العام وعجز الموازنة بالحوار الوطنى تبلغ ١١٣ فى المئة وليس ٩٥ فى المئة . والنسب الفعلية قد تكون اعلى حتى من هذا الرقم . وأخذا فى الاعتبار أن البنك المركزى والحكومة قد امتنعا لعامين تقريبا عن ذكر الرقم الحقيقى للدين العام الداخلى ، فإنه بجمع مقدار الاستدانة الحكومية مع رقم الدين فى عام ٢٠٢٠ يكون الرقم المذكور فى لجنة الموازنة بالحوار الوطنى حقيقيا بكل تأكيد وهو ٦.٨٦ تريليون جنيه . وبإضافة الدين الخارجى ١٦٥ مليار جنيه تعادل ٥.١ تريليون جنيه اذا حسبناها بالسعر الرسمى ، ولكن بسعر السوق أو فى حالة تخفيض الجنيه فستزيد أيضا زيادة كبيرة إضافية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار