د. محمد حسين يكتب..الانتماء والمواطنة.. علاقة لا انفصام لها

من المسلمات أن الانتماء يدور وجودًا وعدمًا مع إعمال مبدأ المواطنة الذي ضمنته كافة المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، العالمية والإقليمية على السواء، والدساتير الوطنية، مع تباين مسمياته بين مبدأ المساواة و مبدأ المواطنة، الذي يعني ببساطة شديدة الحق في الحصول على الحقوق دون تمييز، أي المساواة أمام القانون، وهذا أمر تفرضه طبيعة الأشياء ومنطق الأمور، إذ إن الانتماء علاقة تبادلية أخذ وعطاء فالإنسان ينتمي للمكان بقدر ضمان – هذا المكان – لحقوقه وصونه لحرياته، فإذا لم يتحقق هذا الأمر في المكان الذي يقطنه فما الدافع الذي يدفعه للانتماء إليه، حقيقة الأمر إن مشاعر الانتماء سوف تتحول إلى مشاعر بُغض وكراهية وبالتالي فإنه لا مجال للحديث عن تحقق الانتماء للأوطان بمعزل عن تحقق مبدأ المواطنة بمفهومه السابق الذي يتطلب بدوره بدايةً تحقيق الديمقراطية كآلية لنظام الحكم، – بشكل موضوعي – باعتبار أنها آلية تضمن الحق في الحصول على الحقوق للجميع على قدم المساواة متى توافر فيهم المركز القانوني المطلوب للحق دون تمييز، وهذه الأخيرة لن تتحقق إلا عندما يُصبح الشعب لاعب رئيسي في المعادلة السياسية بمعنى أن يكون مصدر السلطات بشكل حقيقي، بحيث يُصبح صوت المواطن هو الأساس في تولي السلطة – بشكل موضوعي – بمعنى نتيجة انتخابات حرة نزيهة تُجرى في جو فسيح من الحرية يتاح فيه للجميع إمكانية الترشح والانتخاب والتسويق لبرامجهم، بالطبع في معية أحزاب سياسية حقيقية مُتاح لها القدرة على الحركة وتأدية دورها السياسي.
وقد يقول قائل أنه وفقًا لهذا المنظور فإن الأشخاص الملتصقين بالسطلة – في نُطم الحكم الفردية – مُعمق لديهم الانتماء باعتبار أنهم يحصلون على ما هو من حقوقهم بل وما هو ليس من حقوقهم أيضًا متجاوزين الآخرين، والحقيقة أن هؤلاء الأشخاص بالفعل لديهم انتماء ولكن ليس للمكان أو ما يسمى بالوطن تجاوزًا، وإنما لشخوص السلطة الذين دعموهم لأجل الحصول على هذه الحقوق، حتى ولو كانوا أكفاء وهذه الحقوق من حقهم بالفعل، لسبب بسيط أنهم لم يحصلوا على هذه الحقوق نتيجة كفاءتهم في منافسة موضوعية مع الآخرين وإنما لدعمهم من جانب بعض شخوص السلطة. أما القائمين على السلطة أو بمعنى أدق مغتصبي السلطة فليس لديهم انتماء إلا لمصالحهم المتمثلة في البقاء في هذه السلطة بأي ثمن، بالطبع على حساب الوطن المزعوم. ويترتب على ذلك أن الوطنية لا ترتبط بمباشرة وظيفة او عمل ما، إنما هي حالة شعورية تدور وجودا وعدمًا مع العناصر سالفة البيان.
الخلاصة: لن يتحقق الانتماء إلا بتحقق مبدأ المواطنة بكافة صوره وعلى الأخص العدالة Justice ولن يتحقق هذا الأخير إلا بالديمقراطية، ومن ثم يغدو الحديث عن تعميق الانتماء بمعزل عن هذا المسار حديث بلا معنى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار