د. أحمد جبيلى يكتب..«بين الدوحة والكويت.. قراءة في أبعاد جولة الرئيس الخليجية»

في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتسارعة، تأتي جولة الرئيس عبدالفتاح السيسي الأخيرة إلى قطر والكويت كخطوة استراتيجية تعكس عمق العلاقات المصرية الخليجية وحرص مصر على تعزيز التكامل السياسي والاقتصادي مع أشقائها في الخليج العربي. هذه الزيارة لم تكن مجرد تحرك دبلوماسي روتيني، بل حملت في طياتها دلالات سياسية واقتصادية عميقة، سواء على مستوى دعم القضية الفلسطينية، أو تعزيز الاستثمارات الخليجية في مصر، أو بناء رؤية مستقبلية لتعاون إقليمي أقوى.

الدلالات السياسية: توحيد الصف العربي ودعم القضية الفلسطينية
جاءت زيارة الرئيس السيسي إلى الدوحة والكويت في توقيت بالغ الحساسية، حيث تشهد المنطقة تصاعدًا في التوترات، خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والأزمة الإنسانية المتفاقمة هناك. وقد أكدت الزيارة على عدة محاور سياسية رئيسية:
1. تعزيز التنسيق العربي حول القضية الفلسطينية:
– تناولت المباحثات مع قادة قطر والكويت سبل وقف العدوان الإسرائيلي ورفض مخططات التهجير القسري للفلسطينيين، وهو ما يعكس الموقف المصري الثابت تجاه القضية الفلسطينية كقضية عربية مركزية .
– كما ناقش الرئيس السيسي مع نظيريه القطري والكويتي خطة إعادة إعمار غزة، حيث تُعد مصر والكويت من أبرز الداعمين لهذا الملف، بينما تلعب قطر دورًا محوريًا في الوساطة وتمويل المشاريع الإنسانية .
2. تعزيز الاستقرار الإقليمي:
– في ظل التحديات الأمنية في المنطقة، مثل التصعيد في البحر الأحمر والأزمة الليبية واليمنية، تسعى مصر إلى توحيد الرؤى الخليجية لمواجهة هذه التحديات، مما يعزز الأمن القومي العربي المشترك.
– كما أن التنسيق مع قطر والكويت يأتي في إطار الجهود الدبلوماسية المشتركة لاحتواء الأزمات ودفع عجلة الحلول السياسية، خاصة مع تزايد التدخلات الخارجية في المنطقة .
الدلالات الاقتصادية: استثمارات ضخمة وشراكات استراتيجية
إلى جانب البعد السياسي، حملت الجولة الخليجية للرئيس السيسي بعدًا اقتصاديًا بالغ الأهمية ، حيث تم التركيز على تعزيز الاستثمارات الخليجية في مصر وتوسيع نطاق التعاون في قطاعات حيوية، مثل:
1. زيادة الاستثمارات القطرية والكويتية:
– أعلنت قطر عن ضخ استثمارات جديدة في مصر بقيمة 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 78% خلال عام 2024 .
– من جهتها، تخطط الكويت لزيادة استثماراتها في مصر بنسبة 20% خلال 2025، لتصل إلى 5.3 مليارات دولار*، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة .
2. التركيز على الطاقة الخضراء والبنية التحتية:
– شجعت مصر المستثمرين الخليجيين على الدخول في مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، حيث تمتلك مصر إمكانيات هائلة في هذا المجال، خاصة مع توجه العالم نحو التحول الأخضر .
– كما تمت مناقشة فرص الاستثمار في المشاريع العمرانية الكبرى، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تعد وجهة جاذبة لرؤوس الأموال الخليجية .

3. التكامل الصناعي وسلاسل الإمداد:
– دعا الرئيس السيسي إلى تعزيز التكامل الصناعي العربي، خاصة في صناعات السيارات الكهربائية واللوجستيات، مما يقلل الاعتماد على الاستيراد ويعزز الاكتفاء الذاتي الإقليمي .
رؤية مستقبلية: كيف يمكن البناء على هذه الجولة؟
لضمان استمرار الزخم الإيجابي الذي حققته جولة الرئيس السيسي، يمكن طرح عدة توصيات لتعظيم الفائدة منها:
1. تعزيز التنسيق السياسي الدائم:
– إنشاء آلية تشاور دائمة بين مصر ودول الخليج لمواكبة التطورات الإقليمية واتخاذ مواقف موحدة، خاصة في الملفات الساخنة مثل فلسطين وليبيا واليمن.
2. تحفيز الاستثمارات المشتركة:
– تطوير منصات استثمارية مشتركة بين مصر والخليج في قطاعات التكنولوجيا والصناعات التحويلية، مع توفير حوافز ضريبية وتسهيلات لوجستية لجذب المزيد من رؤوس الأموال.
3. الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لمصر:
– يمكن لمصر أن تكون بوابة أفريقيا للاستثمارات الخليجية، خاصة في ظل اتفاقيات التجارة الحرة مع القارة الأفريقية، مما يعزّز التبادل التجاري ويفتح أسواقًا جديدة.
4. تعزيز التعاون في مجال الأمن الغذائي:
– مع أزمة الغذاء العالمية، يمكن لمصر ودول الخليج إقامة شراكات زراعية واستثمارية في مشاريع الاستصلاح الزراعي، مثل المليون فدان التي طرحتها مصر للاستثمار .

مصر والخليج.. شركاء في صناعة المستقبل
جولة الرئيس السيسي إلى قطر والكويت لم تكن مجرد زيارة عابرة، بل كانت خطوة استراتيجية تعكس رؤية مصر لتعميق الشراكة مع دول الخليج في كافة المجالات. فالنجاح في الجانب السياسي يتطلب تعزيز التنسيق لمواجهة التحديات الإقليمية، بينما يحتاج الجانب الاقتصادي إلى مزيد من الشراكات الاستثمارية التي تخدم مصالح جميع الأطراف.
في النهاية، يمكن القول إن هذه الجولة رسّخت مكانة مصر كشريك أساسي في الخليج، وأكدت على أن التعاون العربي هو الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة. والبناء على هذه النتائج يتطلب استمرار الحوار والعمل المشترك لتحقيق تطلعات الشعوب العربية نحو مستقبل أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
الحزب الاشتراكي المصري يُطالب بإلغاء قرار "مجلس رؤساء محاكم الاستئناف" لانتهاكه الدستور وفرض رسوم غير قانونية أسامة منير يفضح تلاعب المتطرفين بفيديو مُحرَّف:  22 عامًا في الإعلام شاهده على اعتدالي دون تجاوزات دينية النائبة رشا ابو شقرة تطرح خطة إعلامية طموحة لتعزيز القوة الناعمة المصرية بالقارة الإفريقية إبراهيم عيسى: فصل الدين عن الدولة لا يعنى معاداته.. العقل والعلم أهم أدوات التقدم تأثير برنامج تأهيلي بدني داخل الوسط المائي على كفاءة عضلات الفخذ المصابة بالتمزق للرياضيين" ماجستير بجامعة حلوان *ملك المغرب يستقبل وزراء خارجية البلدان الثلاثة الأعضاء في تحالف دول الساحل*  قضية الطفل ياسين... الحقيقة كاملة من واقع الشهادات الرسمية بعد 75 عامًا.. البرلمان المصري يُقر قانون الإجراءات الجنائية الجديد لدعم الحقوق الدستورية والعدالة الناجزة مجلس النواب يوافق على إصدار قانون الثروة المعدنية بشكل نهائى مجلس النواب يوافق نهاليا على إنشاء قاعدة بيانات الرقم القومي الموحد للعقارات.