حسام خضرا يكتب .. رجل حماس الأخير..

حتى قبل أيام قليلة كان الجناح المسلح لحركة حماس يحاول لملمة شتات نفسه ليظهر بمظهر المنتصر خاصة أثناء تسليم الرهينة الإسرائيلي عيدان ألكسندر، والذي تم بضغط قطري على حماس لتقديمه كقربان للرئيس الأمريكي أثناء الزيارة مع بعض الوعودات التي تنصل منها ترامب سريعاً ما تسبب بمفاجأة كبيرة داخل الصفوف القيادية للحركة، وخلق حالة من الإرباك أدت في نهاية المطاف إلى اغتيال المجموعة قبل الأخيرة من قيادة الجناح المسلح للحركة وعلى رأسهم محمد السنوار ومحمد شبانة، ما أفسح الطريق أمام عز الدين الحداد ليتم تعيينه حاكماً عسكرياً لحماس داخل القطاع كما كان يطمح دائماً بعد أن ذاع صيته أثناء انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية في العام 2007.
فماذا نعرف عن الرجل وما هي النتائج المترتبة على صعوده ..؟
الحداد هو أحد كبار قادة الجناح المسلح لحركة حماس وأحد أعضاء المجلس العسكري ومن المرجح أنه يقود المجموعات العسكرية المتبقية في المناطق الشمالية من قطاع غزة أثناء الحرب، لكن الحداد لا يتمتع بكاريزما وقبول في قطاع غزة بين عامة الناس وفي أوساط حركة حماس أيضاً، بسبب شخصيته الصارمة وارتباط اسمه بالكثير من المشاكل التي حدثت خاصة في المناطق الشمالية بين حركة حماس وبعض العائلات حيث يعتبر مسؤولاً مباشراً عن تصفية العشرات من عناصر حركة فتح في تلك المناطق.
إن الجناح المسلح لحركة حماس بات في وضع لا يحسد عليه أكثر من أي وقت مضى، فما تعانيه الفرق العاملة على الأرض الآن من فقدان للاتصال ببعض الوحدات والمجموعات بسبب حساسية الوضع داخل القطاع يجعل من الصعب على الحداد القيام بمهمته في توجيه وقيادة غرفة العمليات والسيطرة على كافة مناطق القطاع، كما أن المناطق الجنوبية أصبحت بعد اغتيال السنوار وشبانة شبه خالية من القيادة، ما ينذر بكوارث أمنية ربما نسمع صداها خلال الأيام المقبلة لغياب المنظومة القيادية المسؤولية عن تأمين غالبية الرهائن وهو الأمر الذي كانت تنتظره إسرائيل وتعمل على تحقيقه أيضاً.
فحماس ليست تنظيماً عادياً وإنما هي منظمة تبنى على التراتبية القيادية في الأوضاع الطبيعية أي أن القائد الذي يغيب من الممكن تعويضه بقائد آخر ربما كان نائباً أو ظلاً في الجانب المظلم قبل أن يظهر إلى النور، لكن الحرب الإسرائيلية المستمرة استنزفت من حماس غالبية قياداتها السياسية والعسكرية داخل القطاع ليس من الصف الأول فحسب بل وصل الأمر إلى قيادات الصف الرابع والخامس أيضاً، ومن بقي الآن على الأرض بشكل حقيقي لا يملك خبرة حقيقية كسابقيهم يمكنها أن تشكل لهم طوقاً للنجاة، وإنما أصبح العناصر يتعاملون مع المواقف التي يواجهونها بطريقة آنية، أي أننا ننتظر الموقف ونقرر ما سيحدث، ناهيك عن أن القيادة السابقة للجناح المسلح كانت دائماً ما تعاني من سوء التقدير سواء على المستوى السياسي أو العسكري، فكيف سيكون الأمر مع أولئك الذين لا يملكون تلك الخبرة التي تؤهلهم لقيادة ساحة المعركة التي أصبحت تمثل بالنسبة لحماس حرباً وجودية يبنى عليها بقائهم أو هلاكهم.
ومع صعود الحداد إلى هذا المنصب الحساس في هذه الفترة الحرجة ومع احتمالية بقاء حماس داخل أروقة السلطة، فإن صوت العقل الذي لم يكن موجوداً بالأساس داخل تلك الجماعة أصبح في عداد المفقودين ولا أمل بعودته، فالحداد غليظ الطباع وهو مسؤول مباشر عن عمليات القمع التي تمت للمعارضين لاستمرار حكم حماس أثناء الحرب، حتى أن كتيبة شمال غزة التي كان يقودها خلال فترة الانقلاب كانت مسؤولة بنسبة كبيرة عن نجاح حماس في السيطرة على القطاع بسبب الدموية التي كانوا يتعاملون بها مع عناصر فتح والسلطة الفلسطينية.
حماس باتت الآن بين شقي الرحى لكنها تصارع بوضع سكان القطاع في فوهة بندقيتها متخذة منهم دروعاً بشرية لحماية ما تبقى من عرشها المترهل، ومع كل هذا الخراب لن يكون أمل بالإصلاح قريباً فالحركة أصبحت أداة تتخذها إسرائيل كذريعة لتنفيذ سياساتها، فيما تتعامل الحركة مع الوضع بمنطق اللامبالاة.
أما رجل حماس الأخير في القطاع فأمامه مهمات جسيمة بالحفاظ على الإرث الذي حافظ عليه من سبقوه سواء بتكثيف عمليات التجنيد وفرض السيطرة على المناطق التي تنسحب منها إسرائيل سريعاً قبل حدوث أي تمرد في صفوف السكان الغاضبين، وتأمين ما يضمن ولاء تلك العناصر على المدى القريب حتى تستطيع الحركة أن تحصي خسائرها، لكن بالنسبة لتوقعي الشخصي فإننا على أعتاب مرحلة جديدة تتمثل بكثرة الخروقات الأمنية التي قد تصل نتائجها إلى حد تحرير بعض الرهائن خلال عمليات خاطفة، خاصة أن القطاع أصبح خالياً أمام وحدات المستعربين والقوات الخاصة لغياب المستوى القيادي الحقيقي للجناح المسلح لحماس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!