هل يجوز إنشاء نقابة مستقلة للمحامين المتقاعدين وأسرهم؟..قراءة قانونية ودستورية في ضوء الواقع المصري

🟦 مقدمة
في ظل غياب تمثيل فعّال للمحامين المحالين إلى المعاش وأسرهم داخل الهياكل النقابية الحالية، يطرح الواقع أسئلةً ملحة:
هل يحق لهذه الفئة – التي لم تعد تمارس مهنة المحاماة – أن تنشئ كيانًا خاصًا بها يحمل طابعًا نقابيًا أو اجتماعيًا؟ وهل يسمح الدستور والقانون المصري بذلك؟
هذا المقال يقدم قراءة تحليلية تستند إلى الدستور المصري، وقانون المحاماة، وتشريعات العمل المدني، لإثبات أن إنشاء كيان مستقل للمحامين المتقاعدين وأسرهم ليس فقط ممكنًا قانونًا، بل أصبح ضرورة اجتماعية وإنسانية.
🟦 أولًا: من هو المحامي المحال للمعاش؟ هل يُعد من أصحاب المهنة؟
بموجب قانون المحاماة المصري ، يُرفع اسم المحامي من جدول المشتغلين عند بلوغه سن المعاش، ما لم يُقيد بجدول غير المشتغلين.
هذا يعني أن المحامي المتقاعد يفقد الصفة المهنية الرسمية، ولا يحق له مزاولة المهنة فعليًا، وبالتالي لا يُعد من أصحاب المهنة وفقًا للمفهوم الدستوري.
أما أسر المحامين المتقاعدين (الأرامل، الأبناء، إلخ)، فهؤلاء بطبيعتهم ليسوا محامين ولا يُنسب إليهم أي اتصال تنظيمي بمهنة المحاماة.
🟦 ثانيًا: هل يمنع الدستور إنشاء نقابة جديدة لهم؟
كثيرون يشيرون إلى المادة 77 من الدستور المصري التي تنص على:
“ينظم القانون إنشاء النقابات والاتحادات، ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة.”
لكن، هذا النص لا ينطبق على المحامين المتقاعدين وأسرهم، للأسباب الآتية:
المادة تتحدث عن “تنظيم المهنة”، أي ممارسة المحاماة.
المحامون المتقاعدون لا يمارسون المهنة ولا يُقيدون بجداول المشتغلين.
الكيان الجديد لن ينظم المهنة بل يمثل فئة اجتماعية مستقلة عنها.
وبالتالي، لا يوجد تعارض دستوري بين إنشاء نقابة أو رابطة اجتماعية خاصة بالمحامين المتقاعدين وبين المادة 77 من الدستور.
🟦 ثالثًا: السوابق المصرية والإطار القانوني
في مصر، توجد نقابة عامة لأصحاب المعاشات، وهي كيان اجتماعي يعبر عن الملايين من المتقاعدين – من مختلف المهن – ولا يعترض أحد على وجودها.
كما ينص قانون الجمعيات الأهلية رقم 149 لسنة 2019 على أحقية المواطنين في تكوين جمعيات ومؤسسات أهلية، بمجرد الإخطار، بشرط ألا تمارس نشاطًا حزبيًا أو عسكريًا أو دينيًا متطرفًا.
> إذًا، يمكن للمحامين المحالين إلى المعاش وأسرهم تأسيس كيان مستقل قانونيًا:
إما كنقابة اجتماعية لا تمس شؤون تنظيم المهنة.
أو كجمعية أهلية ذات طابع حقوقي وتنموي.
🟦 رابعًا: ما طبيعة الكيان الممكن إنشاؤه؟
الاسم المقترح: “نقابة المحامين بالمعاش وأسرهم”
أو: “الاتحاد الاجتماعي للمحامين المتقاعدين”.
أو: “الجمعية المصرية لحقوق المحامين المتقاعدين”.
طبيعة الكيان:
لا يصدر تراخيص مزاولة مهنة.
لا يتدخل في انتخابات نقابة المحامين أو تنظيم شؤونها.
يُعنى بالخدمات الاجتماعية والصحية والحقوقية والتمثيلية.
الإطار القانوني:
يجوز تأسيسه وفقًا لقانون الجمعيات الأهلية.
أو وفقًا للقانون رقم 213 لسنة 2017 بشأن التنظيمات النقابية، إن اعتُبر نقابة اجتماعية (غير مهنية).
🟦 خامسًا: رد قانوني على الاعتراضات المحتملة
الاعتراض الرد القانوني
المادة 77 تمنع النقابات الموازية لا تنطبق على غير المشتغلين بالمهنة
الاسم يحمل “نقابة المحامين” يُمكن تغييره لصيغة “نقابة المحامين بالمعاش”، وهي لا تتعدى على اختصاص النقابة المهنية
الكيان قد ينازع نقابة المحامين لا يمارس أي نشاط مهني أو تنظيمي، بل تمثيلي اجتماعي فقط
🟦 خاتمة: نحو عدالة اجتماعية تكفل الكرامة لمن خدموا الوطن
المحاماة ليست مجرد مهنة، بل رسالة عاشها المحامون لسنوات من الدفاع عن الحقوق والحريات. وعندما يُحال المحامي إلى المعاش، لا يجب أن يُنسى، أو يُترك دون كيان يدافع عنه وعن أسرته.
لقد آن الأوان أن يتمتع هؤلاء بحقهم الطبيعي والدستوري في إنشاء كيان اجتماعي مستقل يعبر عنهم، دون أن يُعد ذلك مساسًا بنقابة المحامين أو اختراقًا للدستور.
ندعو كل محام حر، وكل قانوني وحقوقي، وكل جهة تشريعية وتنفيذية، إلى دعم هذا المقترح، والوقوف إلى جوار فئة خدمت العدالة عشرات السنين، ثم أصبحت بلا صوت.
✍️ إسلام محمود الخولي
محام بالنقض
وصوت من لا صوت لهم