حسام خضرا يكتب: هل حماس جماعة منفصلة عن الواقع ..؟

أذكر هنا البدايات لنعمل سوياً على سرد الوقائع التي من خلالها لربما نصل إلى إجابة على هذا السؤال الذي حير الخبراء في كافة المجالات. وأستذكر هنا أسلوب القتال الذي اتبعته كافة الجماعات الجهادية بداية من حرب العراق وحتى هذه اللحظة، وكيف اعتمدت تلك الجماعات على سلاح واحد تم اعتباره الأكثر فاعلية من بين كافة الأسلحة.
ولما كانت حماس جزءاً من هذه الجماعات مهما حاولت التنصل وادعاء الحضارة والتشبث بمصطلحات الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن سلوك عناصرها وعدم قدرتهم على كبح جماح تعطشهم لأفكار القتل والموت في سبيل الفكرة دائماً ما كان يفضح كل تلك المحاولات.
وعملت الجماعات الجهادية على مدار تاريخها على تعريف الكاميرا وأجهزة التسجيل على أنها السلاح النووي الخاص بها، فالسلاح النووي الحقيقي قاتل يفتك بالماضي والحاضر والمستقبل، أما الكاميرا التي تروج لتلك الجماعات ومنهجها وأساليبها فتلغي حضارة الماضي وتدمر أجيال الحاضر وتقضي على أي أمل بالمستقبل من خلال الترويج لبطولات وهمية تبنى عليها انتصارات مزيفة تمنح أولئك الذين يتأثرون بالشعارات شعوراً بأنهم يقفون على أعتاب الفتوحات الجديدة، بداية من القاعدة مروراً بداعش وخراسان وبوكو حرام والنصرة وأنصار بيت المقدس وليس انتهاء بجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر الرحم الفاسد الذي انبثقت منه كل هذه الجماعات حتى وإن حاولت التنصل من ذلك كما فعلت حماس بميثاقها الجديد، فالانتماء لفكرة الإخوان كان الركن السادس من عقيدة الحركة وعناصرها في شعارات الولاء التي كانوا يصدحون بها في مهرجاناتهم العصماء.
مع بدء الانتفاضة الثانية اعتمدت حماس على الكاميرا، وعلى الرغم من أن البدايات كانت صغيرة وكانت هناك كاميرا واحدة لكل منطقة، إلا أن المنظومة الإعلامية التي بدأت الحركة تعتمدها وتوظف فيها ذوي الخبرة والاختصاص فعالة جداً خاصة في مسألة توثيق العمليات التي كان يتم تنفيذها، وفي حال تعذر ذلك كان يتم توثيق اللقاءات مع منفذي تلك العمليات ولحظات تدريبهم قبل التنفيذ، ومن ثم انتقل الأمر إلى صيغة المهرجانات التي كانت تتم في كافة مناطق القطاع لعرض الأفلام التوثيقية سواء للتدريب والإعداد أو للعروض العسكرية أو للعمليات لترسيخ نهج الحركة ومفاهيمها وكانت طريقة فعالة في الاستقطاب والتجنيد.
كما كانت الخطب الدورية التي كان يتم اعتمادها خارج مواقيت الصلاة طريقة فعالة أيضاً في عصر ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي، وقد كانت تعتمد تلك الخطابات على الترويج المسبق للخطيب سواء بالإعلانات على الجدران أو التنويه من خلال معدات الإذاعة الخاصة بالمسجد أو حتى استخدام سيارات الإذاعة، ومن ثم يعمل الخطيب المفوه صاحب الابتسامة العريضة والهندام المنمق والأداء المسرحي المتميز على استهداف الأجيال الجديدة التي تحمست لفكرة السلاح والجندي القسامي صاحب الزي الذي يحاكي الجيوش النظامية والذي أصبح في مخيلتهم كالجندي الأمريكي الذي صورته لنا هوليود في أفلام الآكشن، ناهيك بالطبع عن موجة الأناشيد التي تمجد لفكرة الموت وتمنح شعوراً بالنشوة الزائفة بسبب الكلمات التي تطرب عقول أولئك الذين تعرضت أدمغتهم لعمليات الغسل والتجفيف حتى باتت الجماعة والعمل التنظيمي شغلهم الشاغل.
ومع تطور الوضع وتثبيت أركان حكم الحركة للقطاع أصبحت الكاميرا جزءاً أساسياً من أركان الحكم، فغرقت شوارع غزة بالكاميرات وأصبحت كل زاوية خاضعة للمراقبة، كما تطور المكتب الإعلامي التابع للجناح العسكري وأصبح منظومة إعلامية متكاملة تتألف من قنوات إخبارية وصحف مطبوعة ومواقع إلكترونية وصفحات أغرقت وسائل التواصل الاجتماعي وجيش موازٍ من الصحفيين والإعلاميين الذين يروجون ليلاً نهاراً لانتصارات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع.
وبالعودة إلى التساؤل الذي طرحناه في البداية حول ما إذا كانت حماس جماعة منفصلة عن الواقع حين نطابق تصريحاتهم الإعلامية والمقاطع المصورة التي يعملون على إنتاجها والتي تروج لانتصاراتهم بينما على أرض الواقع تحتل إسرائيل ثلثي القطاع وتتحكم في مجريات الأحداث على الأرض، فالإجابة بالطبع لا. فحماس جماعة منظمة يحكمها الوهم المطلق بالقدرة على فعل المستحيل، وإن كنت ترى أن قنواتهم الإخبارية تروج لشيء لا تراه بعينك على أض الواقع فالمشكلة في عينيك لأنك لست هدفاً لتلك الأخبار، إنما الهدف أولئك الذين ينتظرون تلك الجرعة من الانتصارات الإلكترونية للحفاظ على رصيدهم من الانتماء لجماعة الحشاشين الجدد.




