هل المواطن عدو محتمل؟

في الدولة التي تسعى لبناء استقرار حقيقي، يُفترض أن تكون العلاقة بين المواطن والسلطة قائمة على الثقة، والتكامل، والشراكة.
لكن في واقعنا، كثيرًا ما تتحول هذه العلاقة إلى مساحة من التوتر المتبادل،
وكأن الدولة تنظر إلى المواطن باعتباره مصدر خطر محتمل، لا شريكًا في مستقبل الوطن.

فهل نحن أمام سياسة واعية… أم أمام أزمة ثقة متوارثة؟

(1) المواطن الذي لا يُطمئن

بمجرد أن يُظهر المواطن اهتمامًا بالشأن العام أو يطرح أسئلة تتعلق بحقوقه،
تتحرك حوله موجة من الشكوك الصامتة.
كأن وعيه مزعج، وكأن مشاركته في الحوار العام خروج عن النص.

هذا المواطن، الذي لا يحمل سلاحًا ولا ينتمي لتنظيم،
يُعامل أحيانًا كأنه مشروع خطر لم يكتمل بعد،
تُثار حوله الأسئلة: من خلفه؟ ما نواياه؟ ماذا يريد؟
حتى وإن كانت مطالبه في صميم المواطنة.

في مثل هذه البيئات، تُصبح الأسئلة تهمة، والاهتمام بالشأن العام مثار ريبة.

(2) لماذا تخشى السلطة من مواطنيها؟

بعض الأنظمة التي نشأت على أساس السيطرة الكاملة،
ترى في استقلال المواطن ووعيه خطرًا على ثباتها.
فكل سؤال يُطرح، وكل رأي يُعبَّر عنه،
يُفهم كأنه بداية تمرد ناعم… يجب وأده قبل أن يتمدد.

ليس مطلوبًا أن يحمل المواطن سلاحًا ليُعتبر تهديدًا،
يكفي أن يفكر بعمق، أن ينتقد بموضوعية، أو أن يحلم بما هو أبعد مما يُتاح له.

وهكذا، يصبح المواطن الواعي خارج منطقة الأمان السياسي.

(3) كيف تُصنع صورة المواطن المشبوه؟

لا يُقال صراحة إن المواطن عدو،
لكن يُعاد تشكيل صورته في الوعي العام بطرق ناعمة ومتكررة:

الإعلام يُقدّم كل صوت مستقل باعتباره مدفوعًا من جهة ما.
القوانين تُفصّل لتضييق مساحة التعبير والتنظيم.
الخطاب الرسمي يُعيد إنتاج فكرة “الاستقرار أولًا”،
مع التشكيك في كل من يفتح فمه أو يخرج عن الصف.

وهكذا، يتحول التفكير إلى عبء،
والنقد إلى تهمة،
ويُربط بين المعارضة السلمية… ومحاولات الهدم.

وبمرور الوقت، يفقد المواطن إحساسه بالأمان الفكري… حتى داخل نفسه.

(4)حين يكون الصمت هو الأمان الوحيد

في ظل هذا المناخ، ينسحب المواطن من المجال العام،
لا لأنّه غير معنيّ… بل لأنه لا يشعر بالأمان.

الخوف قد يصنع صمتًا، لكنه لا يبني استقرارًا.
والدولة التي تُدير مواطنيها كأنهم خطر محتمل،
تفقد مع الزمن صلتها الحقيقية بالناس.

تصبح السلطة عاجزة عن الإصغاء،
والمجتمع غير قادر على المشاركة،
فتغيب الشراكة،
ويُختزل الوطن في مجموعة تعليمات وأوامر… لا مشروع جامع.

(5) الطريق إلى الشراكة… لا إلى الخصومة*

إذا أرادت الدولة أن تبني استقرارًا حقيقيًا،
فلتبدأ بإعادة تعريف علاقتها بالمواطن،
لا بوصفه مشروع أزمة… بل ركيزة للاستقرار.

هذا المواطن الذي يُفكر، ويعبّر، وينتقد،
ليس عبئًا على الدولة، بل ضمانة لنجاتها.
هو أول من يدافع عنها إن شعر أنه شريك لا تابع،
وأول من ينهض بها إن شعر أن صوته يُحترم.

المطلوب ليس أن تتنازل الدولة عن دورها،
بل أن تُعيد بناء علاقتها بالناس على أساس من الشفافية، والعدالة، والاحترام المتبادل.
وحينها، فقط، يمكن القول إننا نسير في اتجاه دولة حقيقية.

ختاما :

لقد آن الأوان لأن تُراجع الدولة نظرتها إلى مواطنيها.
فالمواطن لا يُخيف الدول القوية… بل هو سندها.
والوعي لا يُهدد الأنظمة الراسخة… بل يحميها من السقوط.

إن بناء الثقة لا يتعارض مع الحفاظ على الدولة،
بل هو شرط من شروط بقائها.

حين نرى في المواطن خصمًا… نخسر.
وحين نراه فرصة… نربح جميعًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!