إعادة نظر مجلس النواب في قانون الإجراءات الجنائية بعد رد الرئيس

يمثل قرار رئيس الجمهورية برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب حدثًا دستوريًا وقانونيًا بالغ الأهمية، يثير تساؤلات جوهرية حول نطاق سلطة مجلس النواب في إعادة النظر في القانون، ومدى التزامه بالمواد محل اعتراض الرئيس. يأتي هذا المقال لتحليل الإطار الدستوري الذي يحكم هذه العملية، مع التركيز على المواد الدستورية ذات الصلة في دستور جمهورية مصر العربية لعام 2014 وتعديلاته لعام 2019، وبيان ما إذا كان مجلس النواب ملزمًا بالمواد المعترض عليها فقط أم أن له الحق في إعادة النظر في القانون ككل. كما سيتناول المقال اقتراح مواد بديلة تغطي تلك الاعتراضات، ملتزمًا في ذلك بالضمانات الدستورية لحقوق وحريات المواطنين، ومبادئ العدالة وسيادة القانون.

إن العملية التشريعية في أي دولة ديمقراطية تتطلب توازنًا دقيقًا بين سلطات الدولة المختلفة، لضمان أن تكون القوانين الصادرة معبرة عن إرادة الشعب، ومتوافقة مع المبادئ الدستورية، ومحققة للمصلحة العامة. وفي هذا السياق، يبرز دور رئيس الجمهورية كحارس للدستور، ومجلس النواب كسلطة تشريعية تمثل الشعب، في التفاعل الدستوري الذي ينشأ عند رد مشروع قانون. هذا التفاعل ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو فرصة لتعميق النقاش حول التشريعات، وضمان جودتها، وحماية الحقوق والحريات الأساسية.

يهدف هذا المقال إلى تقديم رؤية قانونية متكاملة حول هذه القضية، مستندًا إلى النصوص الدستورية والتفسيرات القانونية المعمول بها، مع مراعاة الأبعاد العملية لتطبيق قانون الإجراءات الجنائية، الذي يمس بشكل مباشر حياة المواطنين وحرياتهم. وسيتناول المقال أولاً الإطار الدستوري لرد القوانين، ثم يحلل اعتراضات الرئيس على مشروع القانون، ليختتم باقتراح مواد بديلة توازن بين متطلبات العدالة الجنائية وحماية حقوق الإنسان، وحريات الأفراد، بما يتفق مع روح الدستور المصري وتطلعات المجتمع.

الإطار الدستوري لرد القوانين وإجراءات مجلس النواب

يحدد الدستور المصري لعام 2014 وتعديلاته لعام 2019 الإطار القانوني الذي يحكم العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فيما يتعلق بإصدار القوانين والاعتراض عليها. وتعتبر هذه النصوص الدستورية هي المرجع الأساسي لتحديد نطاق صلاحيات كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب في هذه العملية.

حق رئيس الجمهورية في الاعتراض على القوانين

تنص المادة (52) من الدستور على حق رئيس الجمهورية في إصدار القوانين أو الاعتراض عليها. وهي مادة حاسمة في فهم الآلية الدستورية لرد القوانين. تنص المادة على ما يلي:

مادة 52

لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها. وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إلى المجلس خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إبلاغ المجلس به. فإذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد، اعتبر قانونًا وأصدر. وإذا رد في الميعاد المذكور إلى المجلس، وجب على المجلس أن ينظر فيه مرة أخرى. فإذا أقره المجلس ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه، اعتبر قانونًا وأصدر.

توضح هذه المادة أن رئيس الجمهورية يمتلك حق الاعتراض على مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب، ويجب أن يتم هذا الرد خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إبلاغ المجلس به. وفي حال عدم الرد خلال هذه المدة، يعتبر القانون صادرًا. أما إذا تم الرد، فيجب على مجلس النواب إعادة النظر في مشروع القانون.

إجراءات مجلس النواب بعد رد الرئيس

تثير صياغة المادة (52) تساؤلاً حول نطاق إعادة النظر من قبل مجلس النواب. هل يقتصر دور المجلس على مناقشة المواد التي اعترض عليها الرئيس فقط، أم أن له الحق في إعادة فتح مناقشة مشروع القانون بأكمله؟

من الناحية الدستورية، فإن حق الرئيس في الاعتراض هو حق مقيد بمدة معينة (ثلاثين يومًا)، وهو حق يهدف إلى ضمان جودة التشريع وتوافقه مع السياسة العامة للدولة ومبادئ الدستور. وعندما يرد الرئيس مشروع قانون، فإنه يقدم أسباب اعتراضه، والتي عادة ما تكون محددة وتتعلق بمواد معينة أو جوانب محددة من مشروع القانون.

تفسير عبارة “وجب على المجلس أن ينظر فيه مرة أخرى” يميل إلى أن إعادة النظر يجب أن تتركز على النقاط التي أثارها الرئيس في اعتراضه. فلو كان القصد هو إعادة فتح القانون بالكامل، لكان ذلك يفرغ حق الرئيس في الاعتراض من مضمونه، ويؤدي إلى دورة لا نهائية من التشريع والاعتراض. ومع ذلك، لا يمنع ذلك مجلس النواب من أن يستغل هذه الفرصة لإجراء مراجعة شاملة للمواد المعترض عليها، بل وحتى للمواد المرتبطة بها بشكل وثيق، لضمان تحقيق الغاية من الاعتراض الرئاسي وهي تحسين جودة التشريع.

إن الدستور يمنح مجلس النواب سلطة تشريعية واسعة بموجب المادة (57) التي تنص على أن:

مادة 57

مجلس النواب هو السلطة التشريعية في الدولة، ويتولى سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

هذه السلطة التشريعية الواسعة لا تعني تجاوز الإجراءات الدستورية المحددة في حالة رد القانون. فإعادة النظر يجب أن تتم في إطار احترام حق الرئيس الدستوري في الاعتراض، وأن تهدف إلى معالجة الأسباب التي أدت إلى هذا الاعتراض. وفي حال أقر مجلس النواب مشروع القانون مرة أخرى بأغلبية ثلثي أعضائه، يصبح القانون نافذًا، حتى لو ظل الرئيس معترضًا عليه، وهو ما يؤكد مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها.

وبناءً على ذلك، يمكن القول إن مجلس النواب، وإن كان ملزمًا بالتعامل مع اعتراضات الرئيس على المواد المحددة، إلا أن هذا لا يمنعه من إعادة تقييم شامل لتلك المواد وما يرتبط بها من مواد أخرى لضمان تحقيق التوافق الدستوري والقانوني، مع الأخذ في الاعتبار أن الهدف الأسمى هو إصدار قانون يخدم العدالة ويحمي الحقوق والحريات.

تحليل اعتراضات الرئيس على مواد قانون الإجراءات الجنائية

وفقًا للمعلومات المتاحة، تمحورت اعتراضات رئيس الجمهورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية حول عدة نقاط رئيسية تهدف إلى تعزيز الضمانات الدستورية لحقوق وحريات المواطنين. وقد ورد في التوجيه الرئاسي ضرورة إعادة دراسة هذه المواد لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه.

يمكن تلخيص أبرز هذه الاعتراضات في النقاط التالية:

1.حرمة المسكن الخاص: أكد الرئيس على ضرورة تعزيز الضمانات الدستورية لحرمة المساكن وتقييد إجراءات التفتيش بالقيود القانونية الواضحة. وهذا يتفق مع المادة (23) من الدستور التي تنص على أن “المسكن مصون، وحرمته لا تمس. ولا يجوز دخوله ولا تفتيشه إلا بأمر قضائي مسبب، وفقًا لأحكام القانون.”

2.حقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة: شدد الرئيس على أهمية ترسيخ ضمانات الدفاع وحقوق المتهم أمام سلطات التحقيق والمحاكمة. وهذا يتماشى مع المادة (21) من الدستور التي تنص على أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وكل متهم في جناية أو جنحة يجب أن يكون له محام يدافع عنه.”

3.زيادة بدائل الحبس الاحتياطي: دعا الرئيس إلى توسيع بدائل الحبس الاحتياطي بما يقلل من الاعتماد عليه باعتباره إجراءً استثنائيًا وعدم تحويله من إجراء احترازي إلى عقوبة. وهذا يعكس التوجه الدستوري في المادة (37) التي تنص على أنه “لا يجوز الحبس الاحتياطي إلا في الجرائم التي يحددها القانون، وللمدة التي يحددها القانون، وبأمر قضائي مسبب، ويجوز للمشرع أن يضع بدائل للحبس الاحتياطي.”

4.صياغة قانونية دقيقة ومنضبطة: أشار الرئيس إلى أهمية صياغة قانونية دقيقة ومنضبطة تحول دون التفسيرات المتعددة وتضمن التطبيق السليم، وإتاحة الوقت الكافي للمؤسسات التنفيذية والقضائية لتأهيل بنيتها وقدراتها بما يكفل حسن التطبيق العملي للنصوص الجديدة.

هذه الاعتراضات تعكس حرصًا على تطبيق مبادئ العدالة وسيادة القانون، وحماية حقوق الإنسان وحرياته، وهي المبادئ التي يقوم عليها الدستور المصري. ويتعين على مجلس النواب عند إعادة النظر في مشروع القانون أن يأخذ هذه الاعتراضات بعين الاعتبار، وأن يعمل على صياغة مواد بديلة تحقق هذه الأهداف الدستورية والقانونية.

صياغة مواد بديلة مقترحة تتوافق مع الدستور وتلبي اعتراضات الرئيس

بناء على تحليل اعتراضات رئيس الجمهورية، والتي تركزت حول تعزيز الضمانات الدستورية لحرمة المسكن، وحقوق المتهم، وتوسيع بدائل الحبس الاحتياطي، بالإضافة إلى ضرورة الصياغة القانونية الدقيقة، يمكن اقتراح مواد بديلة أو تعديلات على المواد القائمة في مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بما يضمن التوافق مع الدستور المصري لعام 2014 وتعديلاته لعام 2019، ويلبي هذه الاعتراضات الجوهرية.

1. تعزيز ضمانات حرمة المسكن الخاص وإجراءات التفتيش

تعتبر حرمة المسكن من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور في المادة (23). ولتعزيز هذه الضمانات وتقييد إجراءات التفتيش، يمكن اقتراح تعديل المواد المتعلقة بالتفتيش في قانون الإجراءات الجنائية لتصبح أكثر دقة وصرامة، مع التأكيد على ضرورة وجود إذن قضائي مسبب ومفصل.

المادة المقترحة (تعديل المادة الحالية أو إضافة مادة جديدة):

مادة ( ): لا يجوز دخول أي مسكن أو تفتيشه إلا بأمر قضائي مسبب يصدر من قاضي التحقيق أو النيابة العامة، يحدد بدقة مكان التفتيش والغرض منه والأشخاص المستهدفين، بناءً على دلائل جدية ترجح ارتكاب جريمة أو وجود ما يفيد التحقيق فيها. ويجب أن يتم التفتيش بحضور صاحب المسكن أو من يمثله، أو شاهدين من الجيران إذا تعذر ذلك، ويحرر محضر تفصيلي بما تم ضبطه. ويحظر التفتيش الوقائي أو العشوائي، وكل إجراء يخالف ذلك يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً، وتترتب عليه المسئولية الجنائية والمدنية للمخالف.

مبررات الاقتراح:

• التوافق الدستوري: يتفق هذا الاقتراح مع المادة (23) من الدستور التي تؤكد على حرمة المسكن وضرورة الأمر القضائي المسبب.

• الوضوح والدقة: يحدد الاقتراح شروط التفتيش بدقة، مما يقلل من التفسيرات المتعددة ويضمن التطبيق السليم.

• حماية الحقوق: يضمن حضور صاحب المسكن أو ممثله، ووجود شهود، مما يعزز الشفافية ويحمي من التجاوزات.

• الردع: النص على البطلان المطلق والمسئولية الجنائية والمدنية للمخالفين يمثل رادعًا قويًا ضد أي انتهاك لحرمة المسكن.

2. ترسيخ ضمانات الدفاع وحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة

تعتبر حقوق المتهم وضمانات الدفاع من الركائز الأساسية للمحاكمة العادلة، وهي مكفولة دستوريًا في المادة (21). لتعزيز هذه الحقوق، يمكن اقتراح تعديلات تضمن للمتهم حماية أكبر منذ اللحظة الأولى للقبض عليه.

المادة المقترحة (تعديل المادة الحالية أو إضافة مادة جديدة):

مادة (  ): لكل متهم الحق في الاستعانة بمحام منذ لحظة القبض عليه أو استدعائه للتحقيق، ولا يجوز استجوابه أو مواجهته إلا بحضور محاميه. ويجب إخطار المتهم بحقوقه كاملة، بما في ذلك حقه في الصمت وعدم الإدلاء بأي أقوال إلا بحضور محاميه، وحقه في الاتصال بذويه، وذلك فور القبض عليه. وتلتزم جهات التحقيق بتوفير محام للمتهم غير القادر على توكيل محام. وكل إجراء يخالف ذلك يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً، وتترتب عليه المسئولية الجنائية والمدنية للمخالف.

مبررات الاقتراح:

• التوافق الدستوري: يعزز هذا الاقتراح المادة (21) من الدستور التي تضمن حق المتهم في الدفاع عن نفسه.

• الحماية المبكرة: يضمن حق المتهم في الاستعانة بمحام منذ لحظة القبض عليه، وهو ما يحمي حقوقه من أي انتهاكات محتملة في المراحل الأولى للتحقيق.

• الشفافية: يوجب إخطار المتهم بحقوقه، مما يضمن وعيه الكامل بمركزه القانوني.

• العدالة الاجتماعية: يضمن توفير محام للمتهم غير القادر، مما يحقق مبدأ المساواة أمام القانون.

3. توسيع بدائل الحبس الاحتياطي

الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي يجب ألا يتحول إلى عقوبة، وقد أكد الدستور في المادة (37) على جواز وضع بدائل له. ولتحقيق هذا الهدف، يمكن اقتراح مواد جديدة توسع من نطاق هذه البدائل وتضع قيودًا على اللجوء إلى الحبس الاحتياطي.

المادة المقترحة (تعديل المادة الحالية أو إضافة مادة جديدة):

مادة ( ): لا يجوز الأمر بالحبس الاحتياطي إلا في الجرائم الجسيمة التي يحددها القانون على سبيل الحصر، وبناءً على دلائل كافية ترجح ارتكاب المتهم للجريمة، ووجود مبررات قوية تستدعي هذا الإجراء، مثل الخشية من هروب المتهم، أو التأثير على سير التحقيق، أو الإخلال بالأمن العام. ويجب على قاضي التحقيق أو النيابة العامة، قبل الأمر بالحبس الاحتياطي، أن يبحث إمكانية تطبيق أي من البدائل التالية:

أ. الإفراج بكفالة مالية أو شخصية.

ب. الإلزام بالإقامة في مكان محدد.

ج. حظر ارتياد أماكن معينة.

د. تسليم جواز السفر أو وثائق السفر.

هـ. الإلزام بالمثول أمام جهة التحقيق أو الشرطة في أوقات محددة.

ويجب أن يكون الأمر بالحبس الاحتياطي مسببًا تفصيليًا، يوضح الأسباب التي دعت إليه، وعدم كفاية البدائل الأخرى. وتحدد اللائحة التنفيذية للقانون تفاصيل تطبيق هذه البدائل.

مبررات الاقتراح:

• التوافق الدستوري: يتفق هذا الاقتراح مع المادة (37) من الدستور التي تجيز وضع بدائل للحبس الاحتياطي.

• تقييد الحبس الاحتياطي: يحد من اللجوء إلى الحبس الاحتياطي كإجراء استثنائي، ويجعله مقصورًا على الجرائم الجسيمة والمبررات القوية.

• توسيع البدائل: يقدم قائمة واضحة ومحددة لبدائل الحبس الاحتياطي، مما يمنح القاضي مرونة أكبر في تطبيق الإجراءات الأقل تقييدًا للحرية.

• الشفافية والمساءلة: يوجب تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطي تفصيليًا، مما يتيح مراجعته والطعن عليه، ويعزز المساءلة القضائية.

4. الصياغة القانونية الدقيقة والمنضبطة

تعتبر الصياغة القانونية الدقيقة حجر الزاوية في أي تشريع لضمان وضوح النصوص وتجنب التفسيرات المتعددة التي قد تضر بالمواطنين. يمكن معالجة هذا الاعتراض من خلال مراجعة شاملة للغة القانون، والتأكد من استخدام مصطلحات واضحة ومحددة، وتجنب الغموض أو العمومية.

المادة المقترحة (مادة عامة أو توجيه تشريعي):

مادة ( ): تلتزم اللجان التشريعية المختصة بمراجعة جميع مواد مشروع القانون، وخاصة تلك التي أثيرت حولها اعتراضات، لضمان دقة الصياغة القانونية ووضوحها، وتجنب أي غموض أو عمومية قد تؤدي إلى تفسيرات متعددة أو تعسف في التطبيق. ويجب الاستعانة بالخبراء اللغويين والقانونيين المتخصصين في هذا الشأن.

مبررات الاقتراح:

• تحقيق العدالة: الصياغة الدقيقة تضمن تطبيق القانون بعدالة ومساواة على الجميع.

• منع التعسف: تقلل من فرص التفسيرات الخاطئة أو التعسفية التي قد تضر بحقوق المواطنين.

• تعزيز الثقة: تزيد من ثقة المواطنين في النظام القانوني والقضائي.

إن هذه المقترحات تهدف إلى توفير إطار عمل لمجلس النواب لإعادة النظر في مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بما يضمن معالجة اعتراضات رئيس الجمهورية، وتحقيق التوازن بين مقتضيات العدالة الجنائية وحماية حقوق وحريات الأفراد، وذلك في إطار الالتزام الكامل بنصوص الدستور المصري ومبادئه السامية.

يُعد قرار رئيس الجمهورية برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب فرصة حقيقية لتعزيز دولة القانون وحماية حقوق وحريات المواطنين في مصر. وقد أظهر التحليل الدستوري أن مجلس النواب، وإن كان ملزمًا بالتعامل مع المواد محل اعتراض الرئيس، إلا أن له صلاحية واسعة لإعادة النظر في هذه المواد وما يرتبط بها لضمان تحقيق التوافق الدستوري والقانوني الأمثل.

لقد تركزت اعتراضات الرئيس على محاور أساسية تتعلق بحرمة المسكن، وحقوق المتهم، وضرورة توسيع بدائل الحبس الاحتياطي، بالإضافة إلى أهمية الصياغة القانونية الدقيقة. هذه المحاور تعكس التزامًا بالمبادئ الدستورية التي تضمن العدالة وسيادة القانون، وتؤكد على أن قانون الإجراءات الجنائية يجب أن يكون أداة لتحقيق العدالة لا وسيلة للتعسف أو انتهاك الحقوق.

إن المقترحات البديلة التي تم تقديمها في هذا المقال تهدف إلى توجيه النقاش التشريعي نحو صياغة مواد قانونية أكثر حماية للحقوق والحريات، وأكثر توافقًا مع الدستور المصري. فمن خلال تعزيز ضمانات حرمة المسكن، وترسيخ حقوق المتهم في الاستعانة بمحام منذ اللحظة الأولى، وتوسيع نطاق بدائل الحبس الاحتياطي، يمكن لمصر أن تحقق قفزة نوعية في منظومة العدالة.

يقع على عاتق مجلس النواب مسؤولية تاريخية في هذه المرحلة، تتمثل في الاستجابة الفعالة لاعتراضات الرئيس، والعمل على صياغة قانون إجراءات جنائية عصري يحقق التوازن المنشود بين مقتضيات مكافحة الجريمة وحماية حقوق الإنسان. إن نجاح هذه العملية التشريعية سيعزز من ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، ويؤكد على أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو بناء دولة ديمقراطية حديثة، تقوم على العدل والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية.

إن التفاعل البناء بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والذي تجلى في عملية رد القانون، هو مؤشر إيجابي على نضج الحياة السياسية والدستورية في مصر، ويفتح الباب أمام حوار مجتمعي وقانوني أعمق حول القضايا الجوهرية التي تمس حياة المواطنين. وفي النهاية، فإن الهدف الأسمى هو الوصول إلى قانون إجراءات جنائية يكون نموذجًا للعدالة والإنصاف، ويصون حقوق الجميع دون تمييز.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!