د/أحمد حسين يكتب.. ويبقى السؤال الأصعب ماذا بعد الحالة الانتخابية؟
الانتخابات النيابية وسيلة لإحداث التغيير عبر التداول السلمي السلطة من خلال برامج ورؤي سياسية متنافسة بين أحزاب سياسية تتنوع فيها البرامج والسياسات والكوادر بما يقدم حلول حقيقية لقضايا المواطن والوطن وبما يحدث تغيير جوهري وحقيقي لحياة المواطنيين للأفضل، بما يحمي الوطن ويجعله حاضر بين الأمم، هذه أهمية الانتخابات كونها وسيلة للتغير وللتداول السلمي للسلطة عبر التنافس السياسي بين الأحزاب ببرامجها وكوادرها ذات التوجه السياسي الذي ينتهج رؤى سياسية يقدم الحلول وفق منهجيتها ويطرحها للمجتمع في ظل تحققها حال انتخابه من جموع المواطنين وفقا لانتخابات حقيقية نزيهة وشفافة ومعبرة عن اختيارات الإرادة الشعبية المحمية والمصونة دستوريا، وهذا ما يحدث تغيير حقيقي في قضايا المواطنين وفي أحوال حياتهم كالرواتب والأجور والسكن، والتعليم والصحة، ومظلة الحماية الاجتماعية والمعاشات والفقراء وقضايا الأمن القومي.. تنافس انتخابي يختار المواطنين من بينه وفق إجراءات انتخابية نزيهة وشفافة ومعبرة عن الناخبين بما يحقق مصالحهم.
وبهذا يكون الفعل الانتخابي انتخابات وليس حالة، ومابين الانتخابات والحالة الانتخابية هو احداث تغيير حقيقي،
فالانتخابات ليست غاية بل آلية للتغيير وفق اختيارات الناخبين من بين برامج وسياسات وكوادر تقدم نفسها كمحدث لهذا التغيير وهذا ما يحدث الفارق ويطور بنية الدولة ويحقق السلام المجتمعي لأنه يحدث تداول آمن للسلطة عبر التغيير السلمي الديمقراطي.
الانتخابات لا الحالة الانتخابية هو ما يحدث الفارق والتغيير، وللأسف هذا غير حادث، فما هو حادث هو الحالة الانتخابية، والحالة الانتخابية هو قيام السلطة التنفيذية بخلق وتسويق حالة انتخابات لجنة وقانون وجدول زمني ومرشحون ومواعيد وإعلان نتائج.. لكن غاب جوهرها فالبرامح التي تحدث التغيير غائبة، والكوادر مختارة ومصطنعة من أدوات السلطة وبالسلطة، والتنافس الانتخابي غائب، والإختيار ليس قائم على الإرادة الشعبية والتنوع بين البرامج وبدائلها والكوادر ومنطلقات تحقيق هذه البرامج ، إنما قائم على الحالة الانتخابية بتأميمه من المنبع عبر اختيارات وهندستها وفرضها في مواجهة المواطنين ما بين قائمة مطلقة منفردة ومحسوم تمثيلها تقارب ٥٠% من المجلس ٢٨٤ عضو أصبحوا نواب عبر اختيار السلطة لهم ودعمهم ، ومرشحي الفردي ٢٨٤ مرشح، والاثنان القائمة والفردي من ممثلي السلطة ومن تحالف معها من بعض أحزاب المعارضة التي تسمى أحزاب الحيز المتاح (المحلل) فيما يسمى بالتحالف الوطني الديمقراطي بما يملكه من إرادة وجودة بدعم سلطوي وقوة مالية وسلطسياسية.. ، بالتالي فالنتائج شبه محسومة لمرشحي هذا التحالف الذي لا يملك برامج، ولا رؤى، ولا كوادر منطلقة من أرضية شعبسياسية تدافع عن توجهها الشعبسياسي وتحقق برامجه حال فوزها، إنما أشخاص دفعت بهم السلطة وللسلطة ليكونوا على رأس قوائم المترشحين، أضف إليهم ٢٨ عضو يعينهم رئيس الجمهورية، كل هؤلاء سيأتوا ليمثلوا نيابيا دون مشروع سياسي، ولا برنامج تشريعي مجتمعي، ولا رؤية مستقبلية، ولا حلول للأزمة المصرية، كل هؤلاء سيأتوا من الفراغ والعدم بالسلطة وللسلطة وما تريده.
وهنا نكون أمام حالة انتخابية ، والحالة الانتخابية هنا المقصود بها حالة. لا تجيب على أي أسئلة ،ولاتشكل أي فارق، ولا تغير أي واقع، لاقيمة لها على مستوى الفعل والبناء والتغيير، حالة ، صورة باهتة ومصنوعة تقدم صورة لانتخابات تجرى لتحقق شكل ديمقراطي لا ديمقراطية راشدة وهي حالة تُفقد الانتخابات النيابية مضمونها الحقيقي، وهو القدرة على إحداث التداول السلمي للسلطة الحقيقي والذي هو بداية التغيير الحقيقي الذي يحمي ويصون الوطن، فالانتخابات تجيب على الأسئلة الصعبة التي يواجهها المواطنين والدولة بما يحقق التغيير، أما الحالة الانتخابية فلا تجيب على أي شيء، ولا تحدث أي تغيير، بل استمرار للأزمات وتدهور على كل المستويات.
الانتخابات وسيلة وليست غاية وسيلة لإحداث التغيير والتقدم وليست غاية في حد ذاتها وفي إجرائها.
وفي ظل الحالة الانتخابية تلك يبقي السؤال الأصعب: ماذا بعد الانتخابات؟ بلا اجابات تقدم حلول وتطرح بدائل وتغير في أوضاع المواطن وتحقق له رفاة الحياة ورغد المعيشية وهذا هو الجوهر والمطلوب من الديمقراطية النيابية والتمثيل النيابي احداث تغيير يحقق مصالح المواطنين ويغير من واقعهم السيء.
وهذا ما يجب أن يكون في ذهن من أشرف على خلق الحالة لا تحقيق انتخابات نيابية، ماذا بعد الحالة الانتخابات وتحققها بسياقها الحالي؟
ماذا سنصع في مواجهة الديون وكارثيتها؟ الفقر وتجذره، تدهور بنا الاقتصاد المنتج، تعميق الهوة بين دخول المواطنين وقدرتها على توفير حياة إنسانية سعيدة ، الهوة السحيقة التى سقط فيها الجنية مقابل العملات الأخرى، ماذا سنصنع في التغييب الحادث لبنا الدولة السياسية والدستورية؟ تغيب دولة سيادة القانون والدستور ، ماذا سنصنع في مواجهة قضايا الأمن القومي من مياة النيل للمحيط الإستراتيجي الذي تضائل فيه الدور المصري وأصبح تابعا لدويلات..؟ ماذا سنصنع في مواجهة تآكل قيمة مدخرات المصريين ؟ التضخم، لهيب الأسعار، ارتفاع معدلات البطالة والعنوسة، ماذا سنصنع في مواجهة فقدان القدرة على التغيير؟ فقدان الأمل في إحداثه ،سد الأفق أمام الجميع وأمام المستقبل .
للأسف غابت الأسئلة الحقيقية عن الانتخابات الراهنة وغاب معها الإجابات التي ترد عليها من برامج وسياسات وكوادر ومنطلقات سياسية حزبية تغير الوقع، وتطرح البدائل وتختار من بينها بما يغير مصر للأفضل ويبني المستقل ويحمي الوطن في ظل محيط ملتهب وأزمات خانقة تعصف بحياة المواطنين ، ليهمين ويسود على المشهد الحالة الانتخابية كحالة لذاتها ليس إلا، ويبقى السؤال الأصعب الذي يجب أن يٌسأل بلا إجابات، وليبقى الموقف والأزمة بلا حلول حقيقية تواجهها وتقلل حدتها، وليبقى الحاضر الغائب السؤال الأهم : ماذا بعد الحالة الانتخابية؟ بلا إجابات، ويبقى الوطن في أزماته الخانقة لأن بدائل ووسائل التغيير الحقيقية مأممة من قبل السلطة وأدواتها.




