القائمة الموحدة والمال السياسي: هل تفرز المجالس التشريعية الجديدة “أُمّيّة” سياسية؟

شهدت الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة، سواء على مقاعد مجلس الشيوخ (2025) أو الانتخابات الجارية على مقاعد النواب، تكراراً لسيناريو “القائمة الوحيدة الموحدة”. هذا التشكيل الانتخابي يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الحياة السياسية والتشريعية في مصر، لاسيما وأن القائمة ضمّت أحزاباً حديثة الولادة، وتجاهلت إلى حد كبير كيانات سياسية عريقة لها سجل وخبرة طويلة، وغيّبت أيضاً قامات من “رجال الساسة المخضرمين”.
_تسييس المقاعد والتجارة النيابية :
أفضت هيمنة القائمة الموحدة إلى خلق بيئة خصبة لـ”المتاجرة بالمقاعد البرلمانية”. لقد لاحظنا بروز مرشحين لا يتمتعون بأدنى درجات الخبرة السياسية، ولم يشاركوا قط في عمل حزبي أو تنظيمي سابق. هذه الفئة، في كثير من الأحيان، هي من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال الذين يعتمدون على قوة دفع ملايين الجنيهات التي تُدفع للأحزاب لضمان وضعهم في مقدمة القائمة الانتخابية.
هنا يطرح السؤال الأهم: ما هو العائد الحقيقي على المواطن من نواب دفعوا الملايين لشراء مقعدهم؟
الإجابة المحصلة قد تكون “صفراً”. فالنائب رجل الأعمال الذي يسعى لـ”تعويض” الملايين التي دفعها قبل انتهاء دورته البرلمانية، غالباً ما تتضارب مصالحه المالية مع متطلبات ومطالب الشعب الأساسية. يتحول الهدف من التمثيل التشريعي إلى استثمار خاص، مما يقوّض دور البرلمان كحارس للمصلحة العامة.
تحدي الإرادة الشعبية وسقوط النزاهة
تفاقمت هذه الظاهرة بالتزامن مع ما بدا وكأنه تزايد صريح لظاهرة شراء الأصوات. في الدورات الانتخابية السابقة، كان يتم هذا النوع من الممارسات في أماكن “مدارية” بعيدة عن أعين لجان الانتخابات. أما اليوم، وكما شوهد بوضوح وفجاجة في المرحلة الأولى من انتخابات بعض الدوائر (مثل الجيزة)، أصبحت عملية “شراء الأصوات” تتم أمام اللجان الانتخابية وعلى مرأى ومسمع من الجميع، بما في ذلك الحكومة والأجهزة الرقابية والشعب.
إن رؤية المواطن لـ”الحسرة” الناتجة عن تداول المال السياسي بهذه الصراحة يضرب في صميم إيمانه بقيمة صوته ودوره الديمقراطي. أليس من حق المواطن أن يصاب باليأس عندما يشعر أن العملية الانتخابية قد حُسمت سلفاً؟
قتل الحياة السياسية الشريفة
إن النتائج المترتبة على هيمنة المال السياسي تدمر بشكل ممنهج الحياة السياسية لـ”الشرفاء”. فالشباب والمنافسون الذين يخوضون سباق المقاعد الفردية بنزاهة وشرف لا يمكنهم الصمود أمام طوفان المال السياسي الطائل.
هذا السيناريو يقود إلى مخرج واحد: نحن نقتل الحياة السياسية للشرفاء وأصحاب الكفاءة، ونترك الساحة لرجال الأعمال الذين يستغلون حاجة وعوز المواطنين للوصول إلى قبة البرلمان.
إن الشعور السائد اليوم هو “الحسرة” على غلبة المال السياسي المنتشر دون وجود محاسبة رادعة.
مستقبل التشريع وخطة 2030
مجلس النواب ومجلس الشيوخ لعام 2025 سيكلفان بوضع وصياغة التشريعات التي ستحكم مسيرة البلاد وتنظمها حتى عقود مقبلة، بما في ذلك رؤية مصر للتنمية 2030.
فهل يمكن لمن غلب عليهم طابع “الأُمّيّة السياسية”، ودخلوا إلى قاعة التشريع بقوة المال وليس بقوة الفكر والبرنامج، أن ينتجوا تشريعات إصلاحية حقيقية تخدم خطة التنمية الوطنية الطموحة؟
ماذا ينتج لنا هذا الواقع لـ”شبابنا” وهو يرى القرار السياسي والتشريعي في أيدي أعضاء لا يلبون احتياجاته ولا يفقهون شيئاً عن معاناته الاقتصادية اليومية؟
في الختام، تبقى التساؤلات معلقة في الفضاء العام: من هو المستفيد الحقيقي من هذا المشهد؟ وأين هو قياس ومردود ما يحدث من قبل الحكومة والمؤسسات الرقابية لضمان سلامة ونزاهة العملية السياسية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!