د/ أحمد حسين يكتب : سؤال الأزمة: الأحزاب السياسية؛ أين هى؟ أم لماذا اختفت؟

جاءت أزمة كورونا لتُطل علينا بتحديات متعددة أفرزت حالة مجتمعية من التساؤلات حول العديد من المؤسسات وحول دورها وجاء فى القلب منها التساؤل حول الأحزاب السياسية ودورها فى ظل الأزمة، وأتت تلك التساؤلات من الجميع المواطن العادى الإعلام أصوات من داخل السلطة… ويأتى سؤال الأزمة هذا ليعبر عن أهمية الأحزاب ودورها برغم كل مايقال؛ فالسؤال سأله الجميع، لكن المفارقة أن يأتى السؤال بأين؟أين هى الأحزاب؟

والسؤال بهذه الصيغة غير معبر وإجابته لن تكون مجدية ولن تشخص الحالة لكى نبنى الحاضر ولننتج المستقبل ، ولكن الصواب أن يكون السؤال بلماذا؟ لماذا اختفت الأحزاب السياسية فى ظل الأزمة؟ لماذا غاب دورها؟ وهو فى رأيي الأوقع للحالة المصرية وما بين أين؟ ولماذا؟ تكمن الإجابة إن كنا نريد بناء حقيقي ومستقبل قادر على مواجهة التحديات وتجاوزها.

إن الأحزاب السياسية هى الأعمدة الرئيسية لبناء الدول القادرة على الفعل وتحقيق الإرادة على مصاف التقدم والحضارة ، لأنها وببساطة هى الأبنية المؤسسية المجتمعية التى تفرز الكوادر والكفاءات والبرامج والرؤى وتصوغ السياسات والخطط… التى تدير الدولة وتبنى تقدمها، والتى هى فى حالة تطور وتقدم باستمرار لأنها قائمة على التحاور والتنافس الفكرى والبناء والبناء عليه فى ظل التداول السلمى للسلطة بما يحقق المزيد من الكفاءة والتميز والجدارة فى منظومة الإدارة السياسية والعمل المؤسسى للدولة وبما يضيف كل يوم قوة لأبنية الدولة وللمستقبل.
وبالتالى فنحن أمام أدوار وبنية مؤسسية حقيقية تقود المجتمع لتنهض به على مستوى الحاضر والمستقبل والوجود القادر الفاعل بين الدول، بِنْيَة بناء ومستقبل على كافة المستويات، إدارة سياسية للدولة تتطور وتواكب أصعب التحديات وتحقق النجاح وغيابها تهديد للحاضر وتغييب للمستقبل، وهذا الوجود والحضور الفاعل القادر الذى يسأل عنه الجميع ولا يجده لا يتأتى إلا فى وجود بيئة مجتمعية وسياسية تؤمن بالقبول بالنسبية، والاعتراف المتكافئ بالآخر، وتُرسخ التعامل الديمقراطى مع القوى المتعددة بالمجتمع ، والعلنية والتلاقى عند أهداف سامية ومشتركة على أساس التعامل السلمى بما يحقق الأهداف الوطنية، ويعزز ذلك بِنْية مجتمعية وثقافية تؤمن بذلك، وبِنْية دستورية وقانونية تؤسس له وتحققه على مستوى الحركة والفعل والحياة السياسية ، وهو للأسف على مدار عقود ليس موجود إلاعلى مستوى الشكل لا المضمون، ناهيك عن النظرة الضيقة والسطحية للعمل الحزبى، وضعف الموارد وقلة الإمكانات…وبالتالى ففى ظل هذه الحالة من غياب البيئة المناسبة لعمل الأحزاب غابت الأحزاب عن الحضور والتواجد على مدار العقود الماضية و فى ظل الأزمة الراهنة وهو النتاج الطبيعى والمتسق مع الواقع غابت البيئة التى تدعم وجود الأحزاب؛ فغابت الأحزاب وخسر المجتمع وبِنْية الدولة.

خسر المجتمع وبِنْية الدولة على مستوى الفعل عدم وجود برامج حزبية متنوعة ومتعددة تساهم فى تقديم حلول ورؤى وسياسات وتطرح البدائل وتساهم فى تقديم الحماية وقت الخطر، وعلى مستوى الوعى وبنائه غابت الكوادر المجتمعية التى تشكل الوعى وتبنيه وتخلق حالة من الوعى الحقيقي التى تواجه التحديات وتنتج المستقبل، على مستوى الكفاءة غاب التنوع فى القيادات والكفاءات والكوادر المعدة والمؤهلة القادرة على العمل والإبداع والإنجاز فى ظل أصعب الظروف، وعلى مستوى السلطة الغياب التام لتنوع الحلول والأفكار والرؤى التى تقدم لها البدائل لتكون قادرة ، وفى المجمل خسرت بِنْية الدولة والمجتمع على كل المستويات لعدم تواجد الأحزاب ولغيابها.

وحديثنا هناعن الأحزاب التى ينطبق عليها مفهوم الحزب الحقيقي-أحزاب المعارضة – لا جماعات المصالح الموجودة حول السلطة التى تتمثل فى روابط أفراد لأصحاب مصالح ويطلق عليها مسمى أحزاب -أحزاب الموالاة- و ما هى سوا روابط مصالح أو جماعات ضغط تحقق مصالحهالاعلاقة لهم بالمضمون الحزبى وبقيمة الوطن ، جماعات مصالح التصقت بالسلطة أو أفرزتها ليس إلا؛ لم تقدم أى قيمة على أي مستوى بل هى مِعول هدم وتأخر للوطن على كل المستويات.

ومن هنا على الجميع أن يعى ذلك مجتمع وسلطة؛ بأن الأحزاب عامل اضافة وقوة وبناء ومستقبل، علينا جميعا أن ندعمها، وأن ندعم وجودها القادر الفاعل ، مطلوب التأسيس و بناء تلك البيئة وتعزيزها على المستوى المجتمعى والثقافى وعلى مستوى البنية التشريعية والدستورية، وعلى منظومة السلطة أن تمهد لها وتدعمها وتعزز من وجودها بوجود النظام السياسى الديمقراطى الذى تزدهر فيه وتنمو وتقوم بأدوارها، وأن تؤمن السلطة أن وجودها قوة وغيابها ضعف للدولة وللنظام وتجارب العقود السابقة خير معبر وحديث الحاضر أكثر تعبيرا.

إننى أدعو وبكل صدق دعوة خالصة حبا لهذا الوطن وعشقاً لتراب أرضة وخوفا على مستقبله دعوة لا هم لها إلا بناء وطن قادر، أدعوا كل عقلاء الوطن سُلطة ومعارضة وقوة مجتمعية حقيقية إلى العمل سوياً على تأسيس منظومة حكم ديمقراطية، ونظام سياسي يعزز من التداول السلمى للسلطة، وأحزاب مدنية حقيقية قادرة تحمل هم هذا الوطن وترتقى به وتأتى بمستقبله القادر الفاعل، هذا ما ينجى الوطن ويحميه وهو أمر هين نملكه ونستطيع التأسيس له، كفانا عقودا أضعناها فى ما نحن عليه فلم نبرح موضعنا وسبق غيرنا، كفانا مبررات لا تأتى بمستقبل، كفانا حديثا لا منتج له سوا الواقع الذى نعلم حقيقته ونعيشه ، وإننى لا أستطيع أن أنكر أنه أحيانا أجد بعض التوجهات الحثيثية لتحقيق ذلك ثم ما تلبث أن تخبوا ولا تنتج شئ، ثم تظهر وهكذا فى حلقة لا مُنتج منها ولا أدرى لما لا تنتج هذه الجهود حياة حزبية حقيقية؟! سؤال أتمنى أن يُجاب عليه من القائمين على تلك الجهود، ونحن هنا ندعوا إلى أن تكتمل هذه الجهود وتلك التوجهات ونتمنى أن تصل لغايتها التى نريدها وهو فتح الأفق والحياة السياسية أمام الأحزاب و العمل السلمى ودعمها ومساندتها لتحقيق أهدافها حتى يكون المجتمع قادر على مواجهة قضاياه وتحدياته بتنويعات فكرية وبرامج وكوادر وقوة بشرية ومنظومة إدارة سياسية قادرة فاعلة تحقق النجاح وتعزز البناء والتقدم على مصاف الإنجاز الحضارى والرفاة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار