د. كريمة الحفناوى تكتب .. مستقبل أى دولة يعتمد على المياة

“فى مطلع التاريخ لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام فاتحدت إرادتهم الخيرة، وأسسوا أول دولة مركزية ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة”.

هذه الكلمات الرائعة جاءت فى مقدمة دستورنا المصرى فمصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية. فهى قلب العالم ومفترق طرق مواصلاته، وهى رأس القارة الإفريقية المطل على البحر الأبيض المتوسط، ومصب أعظم وأطول أنهارها وهو نهر النيل العظيم.

فى البداية أود أن أشير إلى أنه عندما شرعت فى كتابة المقال لفت نظرى ماجاء فى الصحف المصرية (ومنها جريدة الأهرام اليومية السبت 17 يوليو) من خبر تصدر الصفحة الأولى حول تصريح لوزير الموارد المائية والرى المصرى دكتور محمد عبد العاطى حيث يؤكد حرص مصر على استكمال المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبى للتوصل لاتفاق قانونى عادل وملزم للجميع يلبى طموحات كل الدول فى المنطقة، كما أشار الوزير إلى طلب مصر والسودان بمشاركة أطراف دولية تقودها الكونغو وتشمل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى!!!! ؟؟؟؟.

أى مفاوضات ياسادة مع استمرار الملء الثانى للسد الذى بدأ فى أول يوليو هى عبث وضحك على أنفسنا لأنها تضعنا أمام أمر واقع بملء السد بقرار أحادى من إثيوبيا، وتضعنا أمام أخطار متوقعة لكل من دولتى المصب مصر والسودان، على أى أساس يستند هذا التصريح بعد مفاوضات على مدى عشر سنوات لم نجن منها غير التعنت الإثيوبى والمماطلة والمراوغة لوضعنا أمام أمر واقع ووضع ظهرنا للحائط بل كما يقول المثل الشعبى ( اخبطوا راسكم فى الحيط).
ينص قانون الأمم المتحدة للأنهار الدولية الصادر عام 1997 على سبعة بنود وهى الإخطار المسبق قبل إنشاء سد، وتسليم دولتى المصب الدراسات الخاصة بالسد، ومعامل أمان السد، وأخطاره على البيئة الدولية، وأخطاره على تدفقات المياة، والأضرار الاجتماعية والاقتصادية والبطالة، وتبوير وتصحر الأرض الزراعية.

على أى شىء تتفاوضون؟ لقد رفضت إثيوبيا الالتزام بهذه البنود بل وزد على ذلك أنها رفضت أيضا وجود مكتب استشارى دولى يحدد الملء والتشغيل للسد، وأضراره على دولتى المصب، وتحديد التعويضات اللازمة عن الأضرار حتى يكون لها اليد العليا وفرض سياسة الأمر الواقع فى ملء وتشغيل السد.
يقول الدكتور أحمد المفتى) المستشار السابق لوزير الرى السودانى، والخبير القانونى الدولى فى حديثه لجريدة المصرى اليوم فى 12 ديسمبر 2015 عقب استقالته من اللجنة الدولية لسد النهضة بعد توقيع مصر والسودان على اتفاق المبادىء فى الخرطوم فى مارس 2015 “إن اتفاق المبادىء الذى وقعه قادة مصر والسودان وإثيوبيا أدى إلى تقنين أوضاع سد النهضة وحوله من سد غير مشروع دوليا إلى مشروع قانونيا”.
وفى جزء آخر من حديثه يقول”ليس من المنطق أن يتم بناء السد وانت لم تعرف حقوقك المائية وأمنك المائى، لقد أخلت اثيوبيا بمبدأ الإخطار المسبق طبقا للاتفاقيات الدولية المعنية بتنظيم السدودعلى الأنهار المشتركة بين الدول قبل الشروع فى بناء السد لوضع الإطار القانونى كما تم عند بناء السد العالى وسد مروى فى السودان اعتماداً على اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان 1959، حيث أبلغت إثيوبيا مصر والسودان بعد الشروع فى بناء السد”.

وعلينا أن نعرف ياسادة أن إثيوبيا لاتبنى سدا لاستخراج الكهرباء من أجل التنمية – وهذا حق مشروع لجميع الدول – ولكنها تبنى سدا لتخزين المياه باعتبار أن النيل الأزرق بحيرة إثيوبية وأنها بذلك تعمل على اعتبار المياة سلعة تبيعها لدولتى المصب ولمن يريد، بدليل أنها عملت على إقامة بنك المياه الإثيوبى كأول بنك للمياه فى العالم فى إطار مايطلق عليه “تقاسم المياه” وتحول المياه إلى سلعة تباع وتشترى.
ألم يلفت انتباهكم إلى ماتم فى الأيام السابقة من إعلان (توصل الأردن وإسرائيل إلى اتفاق تبيع بموجبه إسرائيل 50 مليون متر مكعب من المياة العذبة للمملكة الأردنية وكأن اسرائيل تتمتع بوفرة مائية وليس شحا مائيا.

إن التراخى فى مطالب الحقوق يؤدى إلى ضياعها.
دكتورة كريمة الحفناوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار