د/ أحمد حسين يكتب.. القوى المدنية الديمقراطية صمام أمان الأمن القومي المصري وجوهر حمايته

تقاس قضايا الأمن القومى بمدى تأثيرها فى حياة الوطن وتُرتب أولوياتها بمدى تأثيرها فى وجوده وعلى تطوره وتقدمه وتمايزه القادر الفاعل بين الأمم وعلى محددات تحقيق هذا التمايز، وانطلاقا مما سبق فإن القوى المدنية الحقيقية هى أحد محددات الأمن القومى المصرى بل لن أكون متجاوزا إن قلت إنها أحد أهم أولوياته ومحددات أمنه القومي لأنها وببساطة هي القوى المدنية الديمقراطية المعبرة عن الشريحة الأعم للمجتمع وهى تمثل قلب المجتمع وصمام أمانه كونها الطليعة المجتمعية من المتعلمين والمثقفين والعمال والفلاحين وهى تعبر عنهم كمنظومة حياة ونسق تعايش مشترك تسعى عبر هذه المنظومة وهذا النسق للبناء وللعمل ولتوفير حياة كريمة لجميع المواطنين وكبناء دولة مؤسسات قوية وقادرة فى محيطها وعبر وجودها، وبالتالي فإن القوى المدنية الحقيقية هى المعبر عن جوهر المجتمع وإرادته فى الحياة القوية والقادرة بين الأمم، وتتمثل هذه القوة فى تنظيمات وقوى مجتمعية تحمل أبنية فكرية وثقافية وتنظيمية ووطنية تهدف إلى التطور بالمجتمع والارتقاء به وبمواطنيه وبوجودهم ومستقبلهم، وتتجسد تلك القوى في تنوع غني ومثمر قيمي وإنساني ووطني وفكري ومؤسسي يتمثل فى مؤسسات المجتمع المدنى والتى تختلف طبيعتها حسب توجه ومناط عملها وتخصص مؤسسيتها إلا أنها رغم اختلاف طبيعة تخصص مؤسسيتها ومناط عملها فإنها تتفق جميعا فى شأن واحد وهو العمل عبر أبنية مؤسسية مشروعة وتوافق قيمي مدني وثقافي ومجتمعي تسعي لترسيخ تلك القيم وذاك التوافق المدني والثقافي المؤسسسي وتعمل وفق بنيته وأسسه ومنظومة قيمية وأخلاقية وإنسانية تعلي من قيمة الإنسان وتعزز من ثقافة التسامح والحوار وتعزز من آليات التعايش المشترك والوجود الإنساني الوطني وترسخ الآليات السلمية والقانونية والدستورية لحل خلافات التعايش المشترك على أرضية العمل المدني السلمي وقيم وآليات وأسس الدولة الدستورية المدنية الديمقراطية وترسخ من قيمة الإنسان كمركزية حاكمة للعمل وللوطن وترتكز على حرية التنوع في الرؤى والأفكار وفي طرحها والنقاش حولها وفق حوار سلمي إنساني ويأتى فى القلب منها الأحزاب السياسية الحقيقية ، والنقابات العمالية والمهنية، والجمعيات الأهلية بتنويعاتها وبمراحل تطورها، وهى قولا واحد المعبر عن جوهر الوطن ومستقبله، وبالتالي فإن تقوية هذه القوى ودعمها والمحافظة على استقلالية عملها هو جوهر الأمن القومي وحمايته، واضعافها وإفراغها من مضمونها هو أحد مهددات الأمن القومي بل هو أخطرها فالنقابات المهنية والعمالية تعزز من الأداء المهني ومن قيمة الحاكمة وتنمي مستوى كفاءات أفرادها وتفرز الكوادر المهنية القادرة على القيادة والتطوير والإبداع في ضوء المهنة والعمل والتطور، والجمعيات الأهلية تعزز للمشاركة الشعبية والمناقشة للقضايا المجتمعية على أرضية البيئة المحلية الملمة بقضاياها والمقدمة لحلول متفردة لها وتتطور بتطور الحالة المجتمعية لتفرز تنوع مؤسسي رعائى خيرى وتنموي وحقوقي ليعزز من التواجد الشعبي والمشاركة الشعبية ويرسخ للمراقبة المجتمعية للآداء المؤسسي في ضوء الشفافية وحرية تداول المعلومات بما يساهم في القضاء على الفساد ويرتقي بكفاءة آداء المؤسسات، والأحزاب السياسية المدنية الديمقراطية كبنية هى الطريق الآمن للتنافس السياسي السلمى والذى يفرز الكوادر على مستوى الكفاءة والقدرة الرؤية البعيدة والمترابطة لمستقبل الوطن ولطريق نهضته ولقدرة وجودة، وهى البناء القادر على صنع سياسات وبرامج متصلة ومتواصلة تحقق إرادة المجتمع وتأخذه كل يوم للأفضل على مستوى المواطن وعلى مستوى الوطن وهي مؤسسة لتحقيق الإدارة السياسية الرشيدة التى هى مناط حديث الجميع ومسعى الجميع ونموذج لبناء تقدم وتطور الدول ونجاحها، بوتقة أفكار ورؤى متنوعة فكرية وثقافية ومؤسسية تختلف في المسميات وتتحد في التوجه بناء فكري وثقافي مدني وبنية مؤسسية حضارية وإنسانية وآلية عمل سلمية دستورية وطنية يُحتكم إليها عند الاختلاف في ظل تنوع الرؤى والتوجهات ومنطلقات الإدارة الراشدة والعمل العام وذاك البناء المدني والقيمي والمؤسسي الذي يحفظ الأوطان ويصون وجودها حاضرا ومستقبلا ولهذا فإن القوى المدنية الديمقراطية هى قوة حقيقية للوطن ولبنيته وتغيبها هو مهدد للأمن القومى ولوجوده لأنه فى ظل غيابها يحدث ببساطة فراغ مجتمعى هذا الفراغ لا يتمدد فيه إلا المنافقون ومحدودي الكفاءة والباحثون عن مصالحهم الشخصية على موائد السلطة لا مستقبل الوطن هذا على المستوى الأول، أماعلى المستوى الثاني فيتواجد الباحثون فيه عن السلطة بدغدغة عواطف المواطنيين بتوظيف المقدس واستغلاله باستخدام كافة الوسائل للهيمنة الأيدلوجية على المجتمع، وبالتالى فإن تمدد المنافقون ومحدودي الكفاءة وأصحاب المصالح على موائد السلطة لا الوطن وهيمنة القوى المُترسمة بالمقدس على أيدلوجية المجتمع خطر حقيقي يهدد أمن الوطن ومستقبله، ووجود تلك التنظيمات المؤدلجة للإسلام والمُترسمة به سياسيا والمرسخة لتوظيف العنف والمبررة له تجاه المجتمع ليس سببه صواب الفكرة وصدق طرحها بقدر ما هو غياب وتغييب للبديل الحقيقي المعبر عن المجتمع وأفكاره الإنسانية والحضارية القوى المدنية الديمقراطية في ظل حضور المنافقين وأصحاب المصالح محدودي الكفاءة والرؤية وفي ظل هذه الحاله فإنه عند حدوث أى هزة يسقط المجتمع ويهوى والنماذج موجودة ومعروفة وحاضرة محيطا ونتائجها كارثية.
ومن هنا فإن محاربة القوى المدنية واضعافها وافراغها من مضمونها لا خير فيه ولا مستقبل معه للوطن أو للسلطة، والعكس بالعكس دعمه ودعم وجوده وتعزيز قوته وأبنيته المؤسسية هو دعم للوطن وقوته، وعليه يجب أن تدعم الدولة مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية وأن ترعى كوادرها وتقدم لها كافة سبل الدعم عبر تنمية ودعم ثقافة العمل المدني وقيمه، وتفعيل المشاركة المجتمعية وفتح المجال العام لها للعمل فى سهولة ويسر ووضع قواعد وأسس للعمل والتعاون يعمل من خلالها الجميع وترسيخ القيم المجتمعية والتشريعات التي تحقق ذلك بما يعزز طريقة عملها ويقويها وينهض بها فالنهوض بها نهوض بالوطن وتغيبها وغيابها هو خطر محدق يهدد الأمن القومى بل يهدد وجود مصر.
بلادي بلادي لك حبي وفؤادي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار