أحمد جلال يكتب.. “صوموا تصحوا”
الصيام مدرسة جامعة يتعلم فيها المسلم معان عظيمة تعينه على تقوية النفس وتهذيبها والسمو بها إلى الأفضل والأكمل،
والمتمعن في الصيام يجد أن غايته هي تقوى الله عز وجل ، وتعظيم حرماته ، وجهاد النفس على مخالفة الهوى ، والبُعد عن ما حرم ونهى .
فليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات الحسية فقط ، بل وجب حفظ الصوم وصونه من كل ما يدنسه أو ينقص أجره ، فوجب الامتناع عن مفطرات أخري، لا يكمل صيام أحد إلا بالامتناع عنها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ )) .
فكما يصوم المسلم عن المفطرات الحسية المباحة ، وجب عليه أن تصوم جوارحه عن كل ما يُذهِب أجر صومه من المفطرات المعنوية وعن إيذاء من حوله داخل المجتمع بالقول أو العمل ، وكما أن للجسم صيام فان للجوارح صيام أيضاً؛ فصيام العين غضهما عن ما حرم الله ، وصيام الأذن حفظهما عن سماع ما حذر ونهى ، وصيام اللسان صونه عن قول ما منع وزجر ، وهي أمور قد غفل عنه كثير من الناس ، فقد يصوم الصائم عن الطعام والشراب ، ويفطر على غيرهما ، قد ملء يومه بأقوال وأفعال تنقص من أجره صومه ، أو قد تبطل عمله ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ )) .
وقد أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام إلى طريقة حفظ صيامنا مما قد يخل به ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ )).
هذا التوجيه النبوي يترك أثراً في النفس المسلمة لبيان عظمة هذا الأمر ، وتربية للأمة على الأخلاق الرفيعة ، والسماحة في القول والفعل، لتكون درساً تستفيد منه في رمضان وفي سائر شهور العام ، وكما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قوله : ” إذا صمتَ فليصُم سمعك وبصرُك ولسانُك عن المحارِم، ودَع عنك أذَى الجار، وليكُن عليك سكينةٌ ووقار يومَ صومِك، ولا تجعل يومَ صومك ويومَ فِطرك سواء ” .
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى : ” الصوم هو صوم الجوارح عن الآثام ، وصوم البطن عن الشراب والطعام ، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده ، فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته ، فتصيره بمنزلة من لم يصم ” .
وروي عن أحد الصالحين قوله : ” ليس الصوم صوم جماعة عن الطعام ، وإنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام ، وصمت اللسان عن فضول الكلام ، وغض العين عن النظر إلى الحرام ، وكف الكف عن أخذ الحطام ، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام”.
فحري بالمسلم أن يحفظ صيامه عما حرم الله من الأقوال والأفعال ، وأن يحرص على صونه عن كل ما يجرحه، وينقص من أجره ، ويخرجه من هيئته ، ولنأخذ من مدرسة الصيام زاداً يعيننا على الصالحات بعد رمضان والشعور بمن حولنا من الفقراء والمساكين والمحتاجين ومقاومة النفس وضبطها وتقويمها لكل ما هو ارقي وأفضل.