هلال عبدالحميد يكتب..علي سيد بيومي قصاص بنكهة ثورة يناير

عرفته مع ثورة يناير. وكغيره من شباب أسيوط.انفجرت شوارع أسيوط بهم
وعرف جيلنًا نماذج من شباب مختلف، جيلًا مختلفًا، مثقفًا، واعيًا
الدكتور علي سيد بيومي شاب من شباب ثورة يناير، عرفته في ميدان السياسة. ثم أديبًا، يمتلك أدواته الأدبية
نشر مجموعة قصصية( العهد) وروايتين ( عودة الملعون ) و( جمعية النهضة المصرية )
العهد
وساتناول في هذا المقال النقدي مجموعته القصصية
( العهد )، وهي مجموعة قصصية تحتوي على ١٥ قصة قصيرة، وقبل الدخول في التفاصيل
اسجل ملاحظة أن شخصية القاص أو الأديب بشكل عام تنعكس على عمله الأدبي، فلا تستطيع الفصل ما بين الذاتي والموضوعي،وأيضًا شخصية الناقد للعمل الأدبي، فهذا أمر لا مناص منه، ولكن يجب ألا يتحول العمل الأدبي أو النقدي لعمل ذاتي يعبر عن الأديب أو الناقد دون موضوعية ، ودون خيال ، وإلا تحول النص الأدبي لسيرة ذاتية

الحب/ الأمل الضائع
منذ القصة الأولى في المجموعة ( السفر ) تشعر بشخصية المسافر القلقة المتوترة المتبرمة، الكارهة للواقع ولرتابته ، التواقة لتغييره، ففي الأسطر الأربعة الأولى من القصة استخدم الفعل ( أكره) ٤ مرات ! وجاء استخدامه للفعل في الزمن المضارع للدلالة على الاستمرارية وفي المرة التي استخدم لفظ أحب استخدمه منفيًا ( لا أحب ) : (إن الشعور بالغربة يعتريني بمجرد أن امسك تذكرة السفر ) لقد تحول الوطن لاقامة جبرية في العربة رقم (٧) والتي لا تتغير في كل مرة
فالكاتب مسافر يبحث عن التجديد خروجًا من العربة (٧) والتي ينظر من نافذتها فلا يرى إلا ( الظلام الدامس السرمدي، والذي يتسلل لنفسك رويدًا رويدًا، فأنت لا تراه بعينيك ، وحسب بل تعيشه وتتنفسه،) فهو لا يشعر بالتغيير ويعيش في نفس الظروف منذ ولادته ( أرى صورًا ، وأسمع أصواتًا قديمة قدم خروجي للحياة ) ، ومع هذا يجد محبوبته القديمة تعود لتجلس بجواره وكأنها القدر، ولكن مع اقتراب الوصول يكتشف أن المحبوبة ماتت عندما اشترى عددًا من الجريدة وقادته عيناه لصفحة الوفيات ، واكتشف ان اليوم الأحد وان القطار لم يصل ، لا اعرف متى كتب الدكتور سيد هذه القصة ولكن المجموعة نشرت في ٢٠١٨ ، فهل كان يقصد بالمحبوبة التي اكتشف موتها هي نفسها ثورة يناير والتي تربص بها المتربصون من كل حدب وصوب ؟! ربما !

العملية موسكو

ويستمر مشوار السفر، ولكن هذه المرة إلى موسكو، ونكتشف شخصية المصري المتمرد في بلده، الناقم على نظامها وساستها، ولكنه ما إن يكون خارجها يدافع عن كل شيء فيها حتى عن نظامها الذي يتمنى تغييره! ويبدو أن الإطار البوليسي الذي تدور فيه القصة يجعلك تلهث وراء الأحداث المتسارعة والمفاجآت العاطفية والاستخباراتية،ويبدو ان الكاتب يلهث معنا فتنسيه الأحداث اسم بطله عمر باحث الدكتوراه في الفيزياء النووية، فيدعوه مرة بـ (محمود ) والمستهدف من الموساد الإسرائيلي عن طريق عميلته الجميلة/ أشجان ، ولكن المخابرات المصرية تكتشف العميلة وتستخدم الباحث ليصطاد به عملاء الموساد، بخبطة واحدة

عم حسين
ويعود بنا الكاتب لما قبل ثورة/ أو انقلاب ٥٢ كما تحب تسميته القارئ الكريم، فيمهد بشخصية عم حسين المواطن المصري البسيط الأصيل الذي يعيش بكده وتعبه وشرفه من خلال عمله في محل ( جروبي ) والذي يعمل به في وردية تستمر ١٠ ساعات ، ككل الطبقة العاملة المقهورة والتي تحاول العيش بالكاد، ويعرج القاص على مؤامرات ما قبل ٥٢، وان عم حسين كاد يفقد عمله وينتظر البوليس ليقبض عليه لانه لم ينفذ أوامر أحد البشوات الذي كان يأمره بتقديم شراب مسموم لباشا منافس له ليفاجئنا الكاتب في عبارة موجزة عبر زوجة عم حسين تزيل همه وتنقذه من الفصل والسجن عندما ايقظته من النوم قائلة ( اسمع انهم يقولون أن الجيش خلع الملك والقى القبض على مجموعة من الباشوات والوزراء ) لتنتهِ قصة عم حسين بـ ( عاد عم حسين إلى عمله فاستقبله الجميع بالترحاب حتى الخواجه صاحب المحل، وكأن شيئًا لم يكن ) انتهت القصة ولكن الكاتب لم يذكر لنا أن الخواجة صاحب المحل استولى على كل البلد وسرح كل العمال، وتركهم يشحتون تحت الكباري !
الصحفي
أما الصحفي فيجسد به دكتور على سيد كل ما كان قبل ثورة ٢٥ يناير، فتامر أنموذج لإنسان عديم الموهبة ، يريد ان يكون مشهورًا فجرب كل شيء وفشل، حتى وصل بالواسطة إلى العمل بالصحافة وتزوج ابنة رجل أعمال، واستغل تناقضات الحزب الحاكم حتى وصل لأمين الإعلام ورئيس تحريره، وتمكن من تصفية كل الصحفيين الشبان المعارضين، ووصلت الصحافة معه لأخطاء وخطايا حتى جاءت تباشير يناير ودعواتها التي ظن تامر انها ستكون محرد زوبعة في فنجان ، ومظاهرات وستمر كغيرها حتى جاء يوم جمعة الغضب، فقامت قائمة النظام ( انهارت الشرطة ، احرق المتظاهرون عشرات الأقسام وعربات الشرطة، لا أحد يرد من قيادات الداخلية ، يبدو ان النظام يتداعى ) وتساءل الصحفي ( كيف لهؤلاء الصبية أن يسقطوا نظامًا مرعبًا كهذا ؟!
فعاد تامر لمكتبة وكتب مانشيته ( ثورة الشعب اسقطت النظام ) ونجحت الثورة في اسقاط رمز النظام فقط، وتم القبض على تامر من قبل الشرطة العسكرية ( انت مفبوض عليك بتهمة الفساد والتربح )
الساحر والحب الأول
وما بين الساحر والحب الأول تنساب قصص مجموعة العهد بشكل واعٍٍ فبينما يؤمن سالم بالسحر. ويلجأ للساحرة الشريرة لتخلصه من السحر، إلا أنه يلجأ في النهاية للشيخ ليعالجه بالقرآن بدلًا من الذهاب لطبيب نفسي

وفي الحب الأول يجد أسامه نفسه يفقد حبيته ( أمل ) لاحظ الاسم ! التي تبلغه في صورة إرضاء الضمير بان خطيبًا جاهزًا يعمل في بلاد النفط تقدم لها ولن تستطيع رفضه، فاستسلم لاعنًا النفط ( كم اكره هذا النفط الذي دمر الشرق الأوسط ودمر حياتي ) فهل ساهم النفط في تعثر الربيع العربي، وافقد شعوبه الأمل ؟! وحتى عندما حادثت ( أمل المحب عبر وسائل التواصل الاجتماعي اعتقد انها عادت لحبيبها ، ولكنه سرعان ما عرف الحقيقة المرة إنها جاءت له لتستخدمه وهو الطبيب كمسوق لجهاز سونار ! فضحك
الملك-والمجاهد

وفي قصة الملك تتكرر مأساة الملوك واغتيال بعضهم بعضا، وكأنه لا أحد يتعظ من السياسيين

بينما تعطينا قصة المجاهد بانوراما لتطور الجماعات الدينية منذ بدايتها بالجامعات المصرية ومرورًا، ووصولًا لما فعلوه بثورة يناير،والصراع بين الإخوان والسلفيين، ووصولًا لتتظيم داعش، وحتى العودة لمصر للانضمام لتتظيم سينا وتنظيم بيت المقدس واختطاف الجنود المصريين، ومقدرة المجاهد على التلون والخروج من المآزق وإيجاد مخارج وسط ما يحيط بهذه التنظيمات من غموض وتمويلات، وتمكن المجاهد من العودة لأسيوط التي كانت منبعًا ومرتعًا للجماعات الدينية المتطرفة برعاية حكومية كاملة، شارك فيها السادات وتلميذه محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط حينها

الفيروس والعملة

ويتجول بنا الكاتب عبر قصتيه : الفيروس والعملة، فيمر على حرب الفيروسات بين أجهزة المخابرات، ثم حرب أمريكا على العراق، وسرقة خيراته
الخوف

أما قصة الخوف فهي تعطينا فكرة واضحة عن سيطرة الأمن على حياة الناس قبل ثورة يناير ،وكيف أن مخبرًا واحدًا كان يعمل بجهاز حساس ،وكان يسيطر على الحارة/ الدولة فيشيع الخوف في كل جنباتها ويعيش على حساب الناس، ويخشاه حتى ضباط القسم لانه يكتب التقارير فيهم ويحبس لسنوات طوال من يفكر مجرد تفكير في مواجهته أو الاختلاف معه فيحبس الأستاذ محمود معلم اللغة العربية لسنوات طويلة، وكيف أن (عم سلامة) المرشد، كان متعاونًا مع البلطجية واللصوص ( إشارة لتجنيد الأمن للبلطجية واستخدامهم في الأغراض الدنيئة)
عم سلامة إشارة واضحة لسلطة الدولة التي تسيطر على حياة الناس وتنشر الخوف والإرهاب وتستولي على أرزاق الناس بدون قانون.
هذا الرمز البغيض كان يواجهه أحمد ابن الشعب / الأستاذ/ محمود المحبوس ظلمًا لسنوات بسبب شجاره مع المخبر
أحمد الطبيب الصيدلي الذي أضاع مخبر النظام حياة والده في السجون بتهم ملفقة، ظل متربصًا برمز النظام حتى لمحه في ميدان التحرير مع مظاهرات يناير، حتى صاح المخبر فانقض المتظاهرون عليه ليوسعوه ضربًا يشير للغل المتغلغل في قلوبهم تجاه هذا الرمز الذي سامهم سوء العذاب لسنوات

الجينيرال ووحيد والجندي

أما قضية القدس وفلسطين فيعرج عليها الكاتب في عودة لزمن الحروب الصليبية والاستيلاء على القدس ومحاولات بناء الهيكل، وما بين تحرير القدس على يد صلاح الدين انطلاقًا من مصر، وحتى نصر أكتوبر العظيم تتبدد أحلام الصهانية في بناء دولتهم ، على يد المقاومة قديمًا وحديثًا

وحتى وحيد الشاب الطموح الطماع والذي لا يختلف كثيرًا عن الصحفي فيعمل بالتمثيل ويستغل ممثلة شابة شهيرة ليتزوجها بعيدا عن موافقة عائلتها، ويستغلها حتى يستولي على أموالها ويطلقها ولكنه تنتهي حياته ككل طماع شره
وتنتهي المجموعة القصصية بقصة الجندي ليكون معبرًا عن الشعب المصري الذي دومًا ما يكون في مقدمة الصفوف مجندًا ودافعًا من حياته لينتصر في النهاية وطنه، ويرجع كرامته منتصرًا في ٧٣ بعد هزيمة مذلة في ٦٧، فهل عاد الأمل للكاتب في أبناء الشعب المجندين لتحقيق النصر
الرؤية
اعتقد أن القضية المحورية في قصص علي سيد بيومي هي الأمل ، وقد عالجها بشكل فني مبهر عبر مجموعة من الشخصيات المحورية التي تمثل الشعب المصري كله، وكانت ثورة يناير تلح في أرجاء المجموعة القصصية، فتسيطر فكرة التململ على المجموعة، والرغبة في الخروج من الرتابة والملل والبلطجة لروح التمرد والثورة

لا شك ان مشاركة الدكتور على سيد بيومي في ثورة يناير بمحافظة أسيوط ومعه المجموعات الشبابية التي كانت تتظم المظاهرات أثرت على رؤيته الفنية في مجموعته القصصية.
الحقيقة إن لغة الكاتب القصصية فوارة وسريعة ولاهثة، وتعبر بصدق عن رؤيته الفنية، كما أن مفرداته قد تبدو شعرية خاصة في بدايات المجموعة، وتميل المجموعة للرمزية، ولكنها رمزية كاشفة مكشوفة، واخشى إن أكون قد بلغت عنه بمقالي هذا
وإلى قراءة نقدية قادمة لروايتي ( ( عودة الملعون ) و( جمعية النهضة المصرية )
)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار