د/أحمد حسين يكتب : على أبواب الاستحقاق النيابي .. نواب الأمة لا مجلس السُلطة

سؤال جوهري يسأله الجميع في ظل غياب إصدار القانون المنظم لإجراء انتخابات مجلس النواب حتى الآن، وفي ضوء طور إعداده وصياغته، وفي ضوء توصيات لجان الحوار الوطني، السؤال هو مجلس نواب الأمة أم مجلس نواب السُلطة ؟ والإجابة ليست مُحيرة الإجابة طبعا يقينا مجلس نواب الأمة حتى بالنسبة للسُلطة هذا إذا كانت هي تعي مصلحة السُلطة وبقائها في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية شديدة السوء التي يعانيها الداخل، والأحداث المتلاحقة والضاغطة والتي تموج بها المنطقة والعالم وتؤثر على الوطن.

على مدار عقود السُلطة تُشكل وتُفٓصْل الاستحقاق الانتخابي للسُلطة التشريعية ليُفرز مجلس نواب للسُلطة لا الأمة، وعلى مدار تلك العقود لم يتشكل مجلس نواب حقيقي يعبر عن الإرادة الشعبية الشرعية ، وخلال العشر سنوات الماضية استمرت السُلطة على هذا النهج واستمرأته وذلك لفرض هيمنتها على سُلطة التشريع والقرار، ولغياب إيمانها إلا بالانفراد والهيمنة على صنع القرار والتشريع في ظل تشريع ورقابة مُصطنعة عن طريق مجلس للسلطة من خلال تشكيلات حزبية مُخٓلقة ومُستنسخة من بنية مُتهافتي السلطة ، وتغييب البناء الحزبي الحقيقي والذي يفرز الكوادر السياسية، وتفتيت بنية المجتمع السياسية والتي تفرز القادة الطبيعيين والذين يتحولو لقادة سياسين بالممارسة السياسية المجتمعية ، هكذا وعلى مدار عقود لم يجني المجتمع سوا مجالس تُشكلها السلطة وموظفيها بما يحقق مصالحها لا مصالح المجتمع، ولهذا وعلى مدار تلك العقود تخسر السلطة ويُخٓرب الوطن، تخسر السلطة من تغييب مؤسسة حقيقية تستطيع أن تقدم لها الحلول التي ترتقي بالمجتمع لأنها نتاج مدارس سياسية وبنية حزبية وكوادر سياسية حقيقية لا مُصطنعة ، ويخسر المجتمع نتاج فساد وضعف قدرته على إفراز نواب حقيقين يحققون مصالحة، فصرنا من سوء لسوء ومن سيئ لأسوأ، لغياب مؤسسة تشريع ورقابة حقيقية نتاج بناء سياسي وحزبي حقيقي لا مُصطنع ،وخسرت مصر على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والقيمية والحضارية.

ونحن على أبواب الانتخابات النيابية وتشكيل مجلس نيابي جديد ووضع التشريع الذي ينظم آلية وطرق التمثيل النيابي وصياغة القانون الذي ينظم تحقيق ذلك فإنه مطلوب ؛ ألا نعيد تجربة صناعة مجالس نواب السُلطة، لأنه ببساطة إذا استمرت آلية التمثيل كما سبق وتشكيل كيانات حزبية مصطنعة لا يتغير سوا مسمياتها التي تلحق بالوطن وبالوطنية فلن ننتج سوا ما أنتجناه من سوء ولن تتغير سوا درجة السوء وشدته.

ومطلوب أيضا إحداث تغيير جوهري وسياسي يبني الحياة السياسية ويغذيها بكوادر وقادة سياسين قادرين على تقديم حلول ومراقبة وتطوير آداء السلطة في ظل تحديات جسام تتهدنا حاضرا وستطالنا مستقبلا، وانطلاقا من تلك التهديدات على مستوى الخارج، والتحديات على مستوى الداخل فإنه يجب أن نكون على مستوى تلك التهديدات والتحديات وألا نعيد تجارب تفرز نواب ومجالس لا تقدم جديد، ولا تنتج حلول تواكب ما يواجهه الوطن، بل يجب علينا جميعا أن نتكاتف لبناء مجالس نيابية شعبية حقيقية تعبر عن إرادة الأمة وبقوة وبقدرة وبفعل الأمة وبناء عليه فإنه يجب :-

فتح المجال السياسي والعام وإتاحة الحريات في ظل تنافس سياسي حر وشفاف ونزيه يفرز الكفاءات والكوادر السياسية التي تواجه الخطر الذي يتهددنا جميعا في ظل لُحمة وطنية جامعة تواجه هذا الخطر.

إطلاق مصالحة وطنية جامعة في ظل قانون يحقق العدالة الانتقالية والتي تحقق توافق وتماسك مجتمعي في ظل تحديات لا يمكن مواجهتها إلا بالتكاتف الوطني وبالُحْمة الوطنية .

التنظيم القانوني لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي لمجلس النواب وفق القائمة النسبية وفق ما تم التوافق عليه بين القوى السياسية بالحوار الوطني، لأنها تحقق التنوع في الاختيار، وتمد الحياة السياسية بالكوادر السياسية ذات الكفاءة والنزاهة، وتعزز من روح التنافس الحزبي، والذي سينتج آداء سياسي أفضل، وتمثيل نيابي كفء، و يعبر عن كل أصوات المجتمع، ويمثل كل صوت انتخابي، بما يحقق العدالة الانتخابية.

تعزيز الحرية في الاختيار، والعدالة في المنافسة،والشفافية في الإجراءات، وبناء عليه فإنه يجب استمرار الإشراف القضائي على الانتخابات النيابية.

وأخيرا على المجتمع أن يخرج من دولاب اختيار السلطة وتوجيهها لأنه لن يقدم له جديد، لأنه ببساطة لم يعد هناك ما تقدمه السلطة للأفراد ولا للمجتمع وبمعنى أدق اختيارك لممثل نيابي ليحقق لك مصلحة شخصية لن يحقق لأنه لا يملك شيء في ظل الوضع الراهن على مستوى مصالح الأفراد وعلى مستوى الخدمات المجتمعية والتي إن لم تقررها السلطة لن تتقرر، وبالتالي مطلوب أن نختار نواب تشرع وتراقب وتحاسب، نواب ذو قرار سياسي وغير تابعين للسلطة، نواب تشرع لما يحقق مصالح الناس وتحاسب المسؤلين في ضوء تحقق تلك المصالح بما يساهم في تحقق مصلحة عامة، وبناء عليه كل من التحق بأحزاب السلطة على حواف خدمتها ملتحقين بمسمى الوطن أو بمسمي المقدس خارج دائرة الاختيار هم وغيرهم المعلومين والمعروفين في كل الدوائر المتلونين على موائد السلطة والجاثين على حواف طلبها وخدمتها.

عضو مجلس النواب وظيفته تشريع القوانين التي تحقق مصالح الناس وتحمي حقوقها. عضو مجلس النواب وظيفته مساءلة ومحاسبة ومراقبة آداء السلطة التنفيذية في ضوء التشريعات والآداء الذي يحقق مصالح الناس.

وبالتالي فإننا يجب علينا أن نختار وفق هذه الوظائف ومن يستطيع تحقيقها في كفاءة وقدرة، ونزاهة وشفافية، ويعبر عن إرادة من انتخبوه باتخاذه المواقف التي تحقق مصالحهم تحت إرادة الشرعية الشعبية وما تريد ، وليس تحت إرادة السلطة أو من صُنعها، أن نختار الوطني الحر الشريف، صاحب المواقف الوطنية الخالصة الواضحة والمعلنة والثابتة والغير متلونه مع السلطة وخدمتها.

حديثي هنا لكل عقلاء الوطن إننا في ظل أوضاع مجتمعية شديدة السوء، وفي ظل محيط إقليمي ودولي شديد الالتهاب، وفي ظل صراعات دولية نتائجها ستكون وخيمة على دول العالم النامي والتي نحن منها ، كل هذا يتطلب منا العمل في ظل لُحمة وطنية جامعة، وتكاتف سياسي مجتمعي يكون قادر على مواجهة تلك التحديات والنجاة بسفينة الوطن وتوفير حياة سعيدة لأبنائه.

دون ذلك لا جديد بل مزيد من استمرار من سوء الإدارة السياسية والتي لحقت وستلحق السوء والمزيد من السوء بكل مقدرات الوطن، إذا استمرينا على نفس النهج وأسسنا لمجلس للسلطة لا نواب للأمة.