محمد فوزي يكتب : «عودة الجزائر»
منذ وصول الرئيس الجزائري الجديد “عبدالمجيد تبون” إلى سدة الحكم، وترتيب الجزائر إلى حد كبير شئونها الداخلية، وفي ضوء التطورات الكبيرة والمتسارعة التي تشهدها الأزمة الليبية التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم خصوصا في ضوء التصعيد المتبادل بين الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق والميليشيات التابعة لها وخرق الاتفاقات الدولية، برزت الجزائر كفاعل مهم ورئيسي في الأزمة الليبية، وعادت بقوة إلى الصورة.
بدأت عودة الجزائر التي أنهكتها تفاعلاتها الداخلية وغيبتها عن المشهد لشهور، منذ بدء التحرشات التركية بليبيا، والتي جسدتها التحركات التي كانت نتاج طبيعي للأهمية الجيوستراتيجية لليبيا بالنسبة لأنقرة، هذا فضلا عن كونها منصة مهمة بالنسبة للسلطان العثماني لإزعاج خصومه وامتلاك أوراق ضغط تجاههم ومدخل مهم لإبقاء تركيا في مشهد الغاز في منطقة شرق المتوسط.
بدأت التحركات الجزائرية فور ترتيب الجزائر لشئونها الداخلية وتعيينها حكومة جديدة، وهو ما عبر عنه الخطاب الأول للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حيث أكد فيه على أن الجزائر معنية أولا بالملف الليبي، أعقب ذلك اجتماع مجلس الأمن الجزائري لبحث الأوضاع المتعلقة بآخر تطورات الأزمة وملف الحدود مع ليبيا، ثم تصاعد الحراك الدبلوماسي للجزائر في هذا الملف حيث استقبلت العاصمة الجزائرية عددا من وزراء الخارجية أبرزهم الإيطالي لويجي دي مايو، ووزير خارجية مصر سامح شكري، وقبلهما فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية، ومولود شاويش أوغلو وزير خارجية تركيا، وقبلها أجرى وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، اتصالات هاتفية مع نظرائه: الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، والمصري سامح شكري، والفرنسي جون إيف لودريان، والمستشارة الألمانية ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، بالإضافة إلى وزراء خارجية مالي والنيجر والتشاد، وأخيرا جاءت مشاركة الجزائر في مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية، وما تلاه من تحركات دبلوماسية كان آخرها زيارة وزير الخارجية الجزائري لليبيا منذ أيام ولقاءه بالمشير خليفة حفتر.
جاءت هذه التحركات انطلاقا من كون ليبيا امتدادا للعمق الاستراتيجي للجزائر، هذا فضلا عن مخاوف الجزائر بشأن استمرار الأوضاع الأمنية الليبية في التدهور مما يزيد من أعبائها الأمنية حيث تفرض هذه الأوضاع اجراءات عسكرية استثنائية على الجزائر في حدودها مع ليبيا وهو الأمر الذي يستنزف قوى الجيش الذي يتصدى في الوقت ذاته للتهديدات القادمة من مالي.
جدير بالذكر أن الاهتمام بدأ ينصب على الجزائر من مختلف القوى المعنية بالملف الليبي وبدأت عودتها للعب دور فعال إزاء هذا الملف بعد شهور من الغياب بسبب الانشغال بأوضاعها الداخلية المأزومة، إثر المحاولات التركية استمالتها، حيث يدرك أردوغان أن استمالة الجزائر إلى المحور التركي القطري من شأنه فك عزلته وضمان الدعم اللوجيستي لعملياته في ليبيا وهو ما يأتي في إطار محاولاته دعم حكومة الوفاق والميليشيات التابعة لها بالتزامن مع تقدم قوات الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس، هذا على الصعيد الميداني، بالإضافة إلى مساعيه السياسية التي كانت متمثلة في تأسيس جبهة ( تونسية-جزائرية-قطرية ) قبل مؤتمر برلين، وهو ما أكده أردوغان في زيارته الأخيرة لتونس حيث قال بأنه طلب مشاركة كل من تونس والجزائر وقطر في المؤتمر، ولكن هذه المساعي باءت بالفشل.
المؤكد أن الجزائر ليس من مصلحتها إطلاقا أن تكون في قلب المعركة الليبية بالوكالة، وأن استمرار العمليات المسلحة أو الحروب بالوكالة سوف تمتد تداعياته السلبية إلى الجزائر بطبيعة الحال، وهو الأمر الذي يدركه الجزائريون وهو ما عكسته مجمل تصريحاتهم ومواقفهم في الأيام الماضية حيث التأكيد على ضرورة وجود حل سياسي ورفض التدخلات الأجنبية في ليبيا مع دعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤلياته وفرض وقف إطلاق النار.