د/ أحمد حسين يكتب ..هندسة المجتمعات وبناء التقدم “حديث الوطن والواقع السياسي”

 

الهندسة عامة علم يضع الأسس والقواعد التى تبنى وتؤسس وتحفظ وتحقق الاستدامة والجمال، وهندسة المجتمعات هى وضع الأسس والقواعد التى تحفظ تماسك المجتمع وتحقق تقدمة ورخاءه ورفاة أفرادة وتجعله قادراً على الفعل والإرادة على مستوى المجتمع الدولى ومجتمعات التحضر، دائما حاضرا ومسجلا حضورا متظورا ومنجزا بين دفات التاريخ وعلى صفحات مجده وفعله.

هناك هندسة بناء وتقدم، وللأسف هناك من يُهندس للهدم والتخلف، وتلك الهندستان للمجتمعات  افراز تجارب ورؤية وخبرة جمعية نتاج ألاف السنين أفرزتها التجربة وأكدها المنطق العقلى ورشاده، والبحث العلمى وصدق نتائجه على مدار تاريخه وبحثه، والذى مفاده أنه لكى تتقدم المجتمعات وترتقي هناك هندسة للمجتمعات تحقق ذلك، وأن التخلف والهدم نتاج هندسة أفراد أيضا تحقق ذاك التخلف والهدم، ومابين التطور والتقدم والتخلف والهدم تكمن قدرة المجتمع على التعلم والمعرفة وبناء الوعى ومن ثم الاختيار والانطلاق، والتقدم والتخلف ليست مفاهيم فلسفية يصعب فهمها بل هى ببساطة أن يعيش المواطن إنسانيته فى ظل رفاة الحياة، وكرامة الإنسان وحريته وإرادته وحقوقه، وأن يتراكم هذا كله لينجز مجتمعا قادرا ودولة فاعلة.

وهنسة التقدم تلك طريق معلوم دروبه، معروفة حدوده وأسسه تجربة وعلما وهو بناء أبنية مجتمعية ومؤسسية بافراز وقيمة المجتمع، هذه الأبنية وفق أسس ومباديء تأتى بالمستقبل بعيدا عن شخوص الأفراد ومسمياتهم، هندسة البناء والتقدم تلك بدايتها ونهايتها بناء دولة. دولة المؤسسات والقانون والدستور، وبالتالى فبناء التقدم وتلك الهندسة معلوم طريقها علما وخبرة، وتجربة نسعى لتحققها نتاج تجربة نعيشها ونتجرع نتائجها واقعا أوقع عن التعبير عن نفسه،  ونماذج شبيهة بدأت معنا حققت النجاح وبنت مجتمعات التقدم وبقينا نحن فى الواقع الأوقع تعبيرا عن نتاج تجربتنا وعن حالنا الذى وصلنا إليه بالمقارنة بمن بدأوا معنا وإلام هم وصلوا ولما نحن قبعنا لا نبرح مكاننا سوا فى مخيال الحديث.

إن هندسة التقدم والبناء للمجتمع تلك معلوم أبعادها معروف دروبها فأساسها المؤسسية كبناء ، والدستور والقانون كمنظومة مُؤسِسِة وحاكمة ، وما بين المؤسسية والدستور والقانون افراز الكفاءة والجدارة والتطور، والمنظم لهذا كله والمؤسس له وبانية هو منظومة إدارة سياسية راشدة، ومجال سياسي ديمقراطى دستورى، الذى يؤسس للأصوب فى هذا البناء، ويطور للأجدر لذاك الآداء، ويعزز من القدرة دائما وأبدا على النجاح والتقدم والارتقاء عبر رؤية جمعية قائمة على وفى القلب منها المؤسسات الحزبية ذات الرؤية والمدرسة السياسية الوطنية والتى تعد وتؤهل الكوادر السياسية الوطنية الفكرية المُؤهلة والمُدربة والتى تمتلك الرؤية المستقبلية والوطنية، والتى تخطط وتنظم برامج ورؤى سياسية تجعل من كل تحدى فرصة، وتطرح البدائل وتقدم الحلول وتدير المجتمع كواقع وكمستقبل فى ظل معرفة وعلم وقدرة وتنافس سياسى سلمى، يؤسس للوصول للسلطة، يبني ويُبنى عليه رؤية وطنية  من كل الأطراف المتنافسة، وعبر التداول السلمى للسلطة، يفرز الكفاءات، ويحقق الجدارة، نتاج اختيار حر للشعب محمى ومصون، يوازن ويفاضل ويختار من بين بدائل وتنافس، تُعزز اختيار الأفضل والأفضل منه فى حالة تنافسية سلمية مستمرة تدعم المؤسسية، وتُعزز القدرة ، وتُطور الحاضر، وتُبنى دولة، دولة مؤسسات دستورية وقانونية حقيقية قادرة ، تواجه التحديات، وترتقى بالحاضر، وتصنع الرفاة، وتحفظ المستقبل، وتسموا بالوطن.

كل هذا وقولا واحدا هو هندسة بناء تقدم المجتمع ،كل هذا وقولا واحدا نتاج منظومة ادارة سياسية راشدة ومجال سياسي ديمقراطى منفتح  تنافسى حر وفى القلب منه الأحزاب السياسية الحقيقية كمنظومة حزبية حاكمة ومحركة، لا كيانات مصنوعة وموالاة للسلطة تحقق اراداتها وماتريد، هذا مايبنى وما ينتج المستقبل ولا شيء سواه، ابحثوا فى تجارب النجاح وستجدوا تحققه، ابحثوا فى مراجع العلم وستجدوا مفرداته، ابحثوا فى تجربتنا الشاخصة خلال سبع عقود وستجدوا حقيقة تأخرنا وتقدم غيرنا، الحقيقية أننا ما تأخرنا إلا لغياب منظومة الادارة السياسية الراشدة والمجال السياسى الديمقراطى التى يعزز وجودها، والحياة الحزبية الحقيقية البانية والمحركة لتلك الإدارة  السياسية الراشدة وذاك المجال الديمقراطى، وأنه ويقينا لا تقدم ولا إنجاز ولا مستقبل إلا بهذا البناء وتلك الهندسة، هندسة بناء تقدم الأمم ونجاحها.

وبالتالى فإن ما يحدث فى المجال السياسى ومنظومة ادارته عبر صناعة كيانات موالاة تحت ادارة موظفى السلطة  وينتمى إليها أشخاص معلوم لما ينتموا، ناهيك عن غياب الرؤية الجمعية الوطنية والافتقار للكفاءة والمعرفة والعلم والقدرة على طرح البدائل وتقديم الحلول والتطلع للمستقبل، لأنها فى النهاية كيانات مصنوعة ومنتمين فرادى لا رؤية جمعية وطنية حاكمة، ، ومتلونين لا لشيء سوا لمصالحهم الشخصية ، ومتطلعين دائما لمنصب ومغنم وللسلطة ولريحها لا قضايا الوطن وهمومه، كل هذا لن يؤدى إلا للمزيد من السوء والفقر ولن يأتى معه أي مستقبل، وأنا هنا لا أتجنى ولن أذهب بعيدا لعرض استنتاجى والذى هو قائم على تجربتنا منذ استقلال الوطن وحتى الآن، هذه التجربة مع اختلاف المسميات والأيدلوجيات اتفقت فى شيء واحد مجال سياسى مصنوع، وأدرع سياسية تابعة ، ومتلونين حسب هوا السلطة والنفوذ، والنتيجة ودون الدخول فى تفاصيل النتيجة الواقع وحالنا والذى هو خير معبر عما وصلنا إليه وما حصدنا من تلك التجربة.

الخلاصة إن لم تتغير منظومة الهندسة لمجتمعنا تلك لتقوم على هندسة بناء التقدم والحضارة للمجتمعات والتى مؤداها؛ إدارة  سياسية راشدة، ومجال سياسي ديمقراطى، وحياة حزبية حاكمة  – منظومة متكاملة للادارة وللتداول السلمى للسلطة وللاختيار الحر المصون نتائجه والمحمى دستوريا وقانونيا من بين بدائل متعددة، ورؤية وطنية جمعية حاكمة، ومدارس سياسية وفكرية مؤسسة، وبرامج متطورة ومتجددة تواكب الواقع وتواجه تحدياته بما يحقق مصالح المواطن كدولة والدولة كمواطن – دون ذلك لن يتغير شيء فى هذا الوطن ولن يأتى مستقبل وتجربتنا خير معبر عما أقول.

حديثنا هذا حديث صدق وحق ووطن ومستقبل لأن هذا وطننا الذى نُحبه ونُجله، ففيه نكون، وإليه ننتمي، وله كل ولاؤنا،  ولأننا لنا مصلحة حقيقية فى بناء هذا الوطن فلدينا حاضر نريد أن نحميه فى ظل تحديات جسام تموج بها المنطقة وتتهددنا جميعا، وفى ظل مستقبل حر نريد أن نأتى به لأبنائنا، ووطن قادر فاعل نريد أن نبنيه، نطرح هذه الرؤية لعلنا جميعا نعي الدرس ونتعلم من حالنا نأخذ العبرة ونعيها ونبنى عليها لكى يتقدم الوطن ويرتقي حفظ الله مصر وشعبها الكريم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار