فريد زهران يكتب: قراءة جديدة في إجابات قديمة (1)

كتبت هذه الورقة في أواخر 2014، وهي إعادة قراءة، أو بالأحرى كتابة لجُزءٍ كبير من ورقة كتبتُها وتَمَّ تَداوُلها في منتصف فبراير 2011 والثورة لا تزال في الميدان، وأعيد هنا نشر هذا الجزء لأنني أعتقد أنه لا يزال صالِحًا ومُفيدًا حتى هذه اللحظة، ويحمل إجابة على كثير من الأسئلة المثارة من 25 يناير وحتى الآن، وفيما يلي الحلقة الأولى من هذه الورقة.
مدخل:
بعد اندلاع ثورة 25 يناير ببضعة أيام بدا واضحًا لكل السياسيين الثوريين، ذوي الخبرة، الذين شاركوا في الثورة منذ اليوم الأول، أو بالأحرى الذين شاركوا في التحضير لها عبر سنوات طويلة من النضال، أن القوى الثورية مبعثرة ومُفتَّتة، إذ لم تتمكَّن هذه القوى، في ظلِّ استبداد نظام مبارك، وتصفية الحياة السياسية، وتراجُع المدِّ الثوري، والزَّخم الجماهيري، من تنظيم صفوفها وبَلْوَرة خطابها السياسي، ومن ثَمَّ تحرَّكَت الكوادر السياسية الثورية بسرعة من أجل محاولة بناء قوى سياسية مُنظَّمة وقادرة على الاضطلاع بقيادة هذه الموجة الثورية من خلال التلاحُم معها والانخراط في مقدِّمة صفوفها.
ولا أبالغ إذا قلت إنني كنتُ من أشدِّ المهتمِّين ببناء حزب سياسي بمجرد اندلاع الثورة؛ لعدَّة أسباب، أهمها: أنني كنتُ أدرك -وبعمق، وقبل ٢٥ يناير بعدَّة سنوات- أن انفجار الشارع هو أمرٌ آتٍ لا ريب فيه، وأن هذا الانفجار قد يفاجئ الجميع، وعلى القوى الثورية أن تكون مستعدَّة، ولو من خلال تنظيم صغير لكنه يملك رؤية ثورية قادرة على التلاحم بالانفجار القادم وموجاته الثورية، بالذات وأن الإخوان، وما يمثِّلونه من خطر بناء دولة استبدادية دينية شبه فاشية، قد أصبحوا القوى المنظَّمة الرئيسية التي تَعاظَم نُموُّها وازدهارها في مصر في عصر مبارك.
من بين أسباب اهتمامي المبكِّر ببناء حزب سياسي أنني تنبَّأتُ -شأن العشرات من الكوادر السياسية الثورية- بقُرب وقوع هذا الانفجار، أو هذه الثورة، قبل اندلاعها ربما ببضعة أسابيع أو شهور، ومن بين الاستعدادات التي طالَبتُ بها على الدوام مع الأصدقاء والزملاء القريبين مني إنسانيًّا وسياسيًّا هو أن نحافظ على تماسُك المجموعة التي قُمنا بتأسيسها في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة تحت اسم الحزب الديمقراطي الاجتماعي “تحت التأسيس”، وهي المجموعة التي أسَّسَت لوجود الديمقراطية الاجتماعية في مصر، وقدَّمَت محاولة مهمَّة لتجديد الخطاب اليساري، ولم يكن الحفاظ على هذا التماسُك الفكري والسياسي والتنظيمي لهذه المجموعة أمرًا سهلًا في ظل ظروف الاستبداد السياسي والإحباط العام، حتى إننا واجهنا -وقبل ثورة 25 يناير- أزمةً كبيرة عندما قام عددٌ من زملائنا في هذه المجموعة الصغيرة بالدعوة إلى حَلِّها لأنها غير فاعِلة، وأذكر أنني في الاجتماع الذي ناقشنا فيه فكرة الزملاء أكَّدتُ مِرارًا وتكرارًا أن ما تعانيه هذه المجموعة من أزمة هو نتيجة انحسار الزَّخَم الجماهيري بصفة عامَّة، واستقرار الاستبداد السياسي، ولا يعود إلى عيوب أو مثالب تتعلَّق بصحة خطابنا أو توجُّهاتنا، وأن ما نعانيه من عزلة هو حال كل القوى السياسية الثورية وغير الثورية، وليس حالنا فقط، وأن الانفجار القادم ومدى قدرة هذه المجموعة أو تلك على التلاحُم مع هذا الانفجار وموجاته الثورية سيكون هو الاختبار الحقيقي لصِحَّة توجُّهات كل القوى السياسية على اختلافها، لكنني -بكل أسف- لم أستطع إقناع هؤلاء الزملاء بالاستمرار، لكن على الرغم من ذلك استمرَّت مجموعة صغيرة من الكوادر تحت نفس اللافتة: الحزب الديمقراطي الاجتماعي “تحت التأسيس”.
وعندما اندلَعَت الثورة بدأت الحوارات والاتصالات بين كوادر هذه المجموعة تزداد سخونة، واتَّسعَت هذه الحوارات والاتصالات بالتدريج لتشمل أطراف المجموعة وأصدقائها والذين خرجوا منها، وإلى جوار هذه الحوارات والاتصالات التي كانت تستهدف بناء حزب سياسي، وبشكلٍ مُوازٍ، وفي قلب ميدان التحرير، كانت هذه المجموعة تحاول أن ترفع بعض الشعارات أو تُبَلوِر بعض المواقف، وانتهت هذه الحوارات في ظل النضال اليومي في الميدان إلى إعادة بلورة المجموعة التي اتَّسَعَت وتماسَكَت وبدأت اتصالها بمجموعات أخرى، حتى انتهى الأمر أخيرًا، وفي 18/3/2011، إلى اجتماع واسع بنقابة الصحفيِّين -حضَرَهُ المئاتُ- للإعلان عن تأسيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.
في هذه الفترة، وبالتحديد في منتصف فبراير 2011، والثورة لا زالت في الميدان، كتبت تحت عنوان “اللحظة السياسية الراهنة والمهام العاجلة” ورقةً كان يفترض أنها ستُقدَّم كـ”مسودة للجنة التحضيرية للاجتماع التأسيسي لـحركة التغيير الاجتماعي الديموقراطي”، حيث أفضى اجتماع هذه الحركة إلى اتساع مجموعة الحزب الديمقراطي الاجتماعي “تحت التأسيس” قبل نهاية فبراير، وهو ما ساعدنا على أن نلعب بعد ذلك دورًا مهمًّا في الاتصال بأطراف ومجموعات مختلفة قامت بالتحضير والمشاركة في اجتماع نقابة الصحفيين الذي أشرنا إليه.
تناوَلَت الورقة -التي قُمت بإعدادها في ذلك الوقت، وتمَّ تداوُلها على نطاق ضيِّق- اللحظةَ السياسية الراهنة والمهام العاجلة، من خلال تقديم مجموعة من الإجابات على مجموعة من الأسئلة لم يَرِد الكثير منها، في ذلك الوقت، بكل أسف، على ذهن أحد، ولكنني تعمَّدتُ طرحها لأسبابٍ لن تخفى على فطنة القارئ عندما نُعيد قراءتها الآن، وقد بدأت الورقة محاولة قراءة الثورة القائمة على الأرض من خلال قراءة الثورات التي عرفها العالم وعرفتها مصر من قبل، وهكذا أعلَنَت الورقة “أن البشرية عرفت ثورات كبرى في مسارات تطوُّرها، وكان من بين أهم هذه الثورات: الثورة الفرنسية والروسية والإيرانية، وعرفت مصر-شأن كل بلدان الدنيا- ثوراتٍ كبرى شعبيَّةً شارك في فعاليتها مئات الآلاف، بل والملايين من المصريين في العصر الحديث، وعلى مدى مائة وثلاثين عامًا المنصرمة، أول هذه الثورات كانت الثورة العرابية، والثانية ثورة 1919، والثالثة حركة الطلبة والعُمَّال في 1946، والرابعة انتفاضة 18 و19 يناير، والخامسة «ثورة الشباب» في 2011″، واختتمت هذه الفقرة الافتتاحية أن “التأمُّل في مقدِّمات ووقائع ونتائج هذه الثورات المتتالية، وبالذات ثورة 2011، يثير عدَّة تساؤلات مهمَّة قد تساعد الإجابة عليها في بناء تصوُّراتنا حول المرحلة المقبلة”.
سنحاول في مقالات قادمة أن نتعرَّض لهذه التساؤلات وننشر، لأول مرة، الإجابات التي تَقدَّمنا بها؛ لأننا نعتقد أن هذه التساؤلات لا زالت مطروحة، ولا زالت الإجابات التي تقدَّمنا بها، والثورة لا زالت في الميدان، صالِحة، ومفيدة، ومن الضروري أن نستعرضها الآن لكي يعرف الجميع على أيِّ أرضٍ كُنَّا نقف، وعلى أيِّ أرضٍ كان يقف البعض الآخر من أعداء الثورة الذين حاولوا ركوب الموجة، وكلهم أملٌ أن تنتهي وقد عاد بنا الزمن الى الوراء، إلى عصر مبارك، عصر ثنائية الدولة والاخوان، وكأن القوى الثورية والديمقراطية لم تنجح في إسقاط الإخوان مثلما أسقَطَت مبارك، وهي بإذن الله قادرة على إسقاط أي نظام استبدادي طال الوقت أو قَصُر.
نشر في البوابة نيوز بتاريخ
22/10/2014

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار